الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 381 ] وفي تمكين الدعوى لغائب بلا وكالة ؟ تردد .

التالي السابق


( وفي تمكين ) شخص من ( الدعوى ل ) شخص ( غائب ) عن البلد احتسابا ( بلا وكالة ) من الغائب له في شيء تعدى عليه أو غصب أو ضرر أحدثه جاره في داره أو أرضه ، وهذا قول ابن القاسم ، وإليه ذهب سحنون ، وعدم تمكينه منها ، وهذا قول ابن الماجشون ومطرف ، ثالثها لا يمكن منها إلا الأب والابن ومن له قرابة قريبة ، رابعها يمكن من إقامة البينة لا من الخصومة ، خامسها يمكن القريب والأجنبي من الخصومة في العبد والدابة والثوب دون توكيل ، ولا يمكن منها في غير ذلك إلا الأب والابن حكاه ابن حبيب ( تردد ) الحط أشار بالتردد إلى الخلاف في الطريق التي ذكرها في التوضيح ، وذكرها ابن عرفة وغيره .

[ ص: 382 ] تنبيهات )

الأول : الحط هذا الخلاف في الدعوى ممن لا تعلق له بالشيء المدعى فيه ، وأما من له تعلق به كمن سبقت له يد على الشيء المدعى فيه بإذن صاحبه أو بغير إذنه أو من له فيه تعلق لاستيفاء حقه منه ، فهل له المطالبة بذلك أم لا ، لم أر في ذلك كلاما شافيا ، والذي تقتضيه نصوص المذهب الآتي ذكرها أن تلخص قاعدة من ذلك وتجعل المسألة على ثلاثة أوجه ، وهي أن هذا المدعي إن تعلق به ضمان الشيء المدعى فيه ، ودخل في ضمانه وصار مطالبا به فله المخاصمة فيه والدعوى وإثبات ملك الغائب وتسلمه ، وإن لم يكن في ضمانه فإما أن يريد أن يستوفي من ذلك المدعى فيه شيئا له في ذمة مالكه الغائب أم لا ، فإن كان الأول جاز له أن يدعي ويثبت ملك الغائب أيضا ، وإلا فلا يمكن من الدعوى ، فمن القسم الأول الغاصب إذا غصبه غاصب آخر والمستعير إذا كان الشيء مما يغاب عليه والمرتهن كذلك والحمل ونحو ذلك . قال في نوازل سحنون من كتاب الغصب ، سئل سحنون عن رجل من العمال أكره رجلا أن يدخل بيت رجل يخرج منه متاعه يدفعه إليه فأخرج له ما أمره به فدفعه إليه ، ثم عزل ذلك العامل الغاصب ثم أتى المغصوب منه المتاع فطلب ما غصب فهل له أن يأخذ بماله من شاء منهما إن شاء الآمر ، وإن شاء المأمور فقال نعم له أن يأخذ بماله من شاء منهما . قيل له فإن أخذ ماله من الذي أكره على الدخول فهل يرجع على العامل الذي أكرهه على الدخول ، فقال نعم ، قيل له فإن عزل الأمير الغاصب وغاب المغصوب منه المتاع فقام المكره على الدخول في بيت الرجل على الأمير الغاصب للمتاع ليغرمه إياه وقال أنا المأخوذ به إذا جاء صاحبه فهل يعدى عليه فقال نعم .

محمد ابن رشد هذا كما قال لأن الإكراه على الأفعال التي يتعلق بها حق المخلوق كالقتل والغصب لا يصح بإجماع ، وإنما يصح فيما لا يتعلق به حق لمخلوق من الأقوال باتفاق ، ومن الأفعال على اختلاف . وأما قوله يقضى للمكره على الدخول في بيت الرجل على العامل بالمال لأنه هو المأخوذ به ، ففيه نظر ، والذي يوجبه النظر أن يقضى له بتغريمه إياه [ ص: 383 ] ولا يمكن منه ويوقف لصاحبه ا هـ . ونقله ابن عرفة وقال إثره كالمصنف في ضيح ، قلت الأظهر تمكينه منه لأنه لو هلك في الوقف لضمنه لأنه على حكم الغصب باق ا هـ . وأما قوله إن الإكراه على الأفعال التي يتعلق بها حق لمخلوق كالغصب والقتل لا يصح بإجماع فليس كذلك ، بل فيه الخلاف حسبما نقله المصنف وابن عرفة وغيرهما ، وقالوا في الحميل له أخذ الحق بعد محله والطالب غائب إذا قال أخاف أن يفلس المضمون وهو مما يخشى عدمه قبل قدوم الطالب أو كان كثير المطل واللدد ، فإن كان الحميل أمينا أقر المال عنده وإلا أودع لبراءة الحميل والغريم قاله في الذخيرة ، ونقله أبو الحسن عن عبد الحق وغيره . ومن القسم الثاني المرتهن يثبت ملك الراهن ليبيعه ويستوفي حقه منه وزوجة الغائب وغرماؤه يثبتون ماله ليباع لهم ويستوفون من ثمنه . ابن رشد الذي جرى به العمل أن القاضي لا يحكم للمرتهن ببيع الرهن حتى يثبت الدين عنده والرهن وملك الراهن له . ويحلف مع ذلك أنه ما وهبه دينه ولا قبضه ولا أحال به وأنه لباق عليه إلى حين قيامه ا هـ . وفي التوضيح إن كان للزوج ودائع وديون فرض للزوجة نفقتها فيها ، ولها إقامة البينة على من جحد من غرمائه أن لزوجها عليهم دينا ، ثم قال ولا يبيع الحاكم الدار حتى يكلف الزوجة إثبات ملكية الزوج لها وأن الدار لم تخرج عن ملكه في علمهم .

الثاني : تت ظاهر كلام الشارح أن التردد في الأقوال الخمسة . طفي ما قاله الشارح هو الأولى لأنهم عدوا هذا الموضع من المواضع التي يشير المصنف بالتردد لكثرة الخلاف .

الثالث : تت ما قررنا به نحوه في الشارح الأوسط . وقال البساطي حمله الشارح على أن الغائب مدعى عليه فهل يشترط في قبول هذه الدعوى وكيل ويكفي وجود المال ابن عبد السلام لا فائدة لاشتراط حضور الوكيل لأن الغائب إن كان له مال كفى وإن لم يكن له مال فوجود الوكيل كعدمه ا هـ . وما ذكره هو معنى ما للشارح في الكبير . طفي ما ذكره البساطي عن الشارح سبق قلم منه أو من تت ، إذ كلام الشارح في كبيره ليس كما قال ، ولا يصح في نفسه ، إذ ليس الخلاف هل لا بد من وكيل أو يكفي [ ص: 384 ] وجود المال ، ونص الشارح في كبيره قوله وفي تمكين الدعوى لغائب بلا وكالة تردد المنع لابن عبد الحكم فقال إن كان للغائب ببلد الحكم مال أو حميل أو وكيل سمعت الدعوى وإلا نقلت الشهادة ا هـ . وهكذا النقل في ابن شاس وابن الحاجب وابن عرفة وغيرهم أن ابن عبد الحكم شرط في الحكم على الغائب وجود أحد ما ذكر وإلا فليس للقاضي الحكم لأنه يصير حينئذ ليس من أهل ولايته على حمل الشارح يتكرر مع قوله البعيد كإفريقية إلخ ، وإن قلنا أعاده لينبه على الخلاف فيحتاج لجعل اللام بمعنى على ، ومع ذلك تنبو عبارة المصنف عن ذلك ، إذ لو أراده لقال وفي تمكين الدعوة على غائب بلا وكيل أو حميل أو مال تردد وليس هو أيضا محل التردد ، ولأن ما قدمه من قوله والبعيد كإفريقية هو نص المدونة ، ولا معنى لذكر ما يخالفه ، والتنبيه على الخلاف مع ضعفه ، إذ لم تجر للمصنف عادة بذلك ، وعلى كل حال فتقرير الشارح في كبيره غير صحيح ، وفي الوسط والصغير كما قرر تت ، وهو الصواب ، وبه تعلم أن تعميم ابن مرزوق كلام المصنف في المدعى له والمدعى عليه غير ظاهر والله الموفق .

والعجب من هؤلاء الأئمة كيف يصدر منهم ما ذكر مع تقدم كلام المصنف في المدعى عليه وهو مذهب المدونة ، ومع كون المسألة مشهورة بالخلاف في دواوين المالكية فيمن قام محتسبا لغائب . ابن عرفة ففي قصر القيام عنه دون توكيل منه على ابنه وأبيه وعمومه فيهما وفي الأجانب ثالثها يمكنون من إقامة البينة لا الخصومة . ورابعها لا يمكن من أحدهما وخامسها يمكن منهما الأب والابن فقط ، ويمكن غيرهما والأجنبي في العبد والدابة والثوب لفوتها وتغيرها لا فيما سوى ذلك من دين وغيره ، ثم قال وعلى القول بالقيام عنه في كونه في قريب الغيبة وبعيدها وقصره على قربها قولان ، والله أعلم .




الخدمات العلمية