الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      مسألة

                                                      الجمع المنكر كرجال فيه وجهان لأصحابنا حكاهما الشيخ أبو حامد الإسفراييني ، والشيخ أبو إسحاق في اللمع ، وسليم في التقريب :

                                                      أحدهما : أنه عام ، ونصره ابن حزم في كتاب " الإحكام " ، وحكاه ابن برهان عن المعتزلة ، لأنه يصح الاستثناء منه ، قال صاحب المعتمد : حكاه القاضي عبد الجبار عن أبي علي الجبائي ، وحكي عن أبي هاشم مخالفته ، وهو قول جمهور الحنفية ، واختاره البزدوي ، وابن الساعاتي ، وأصحهما كما قال الشيخ أبو حامد وسليم ، أنه ظاهر المذهب ، وعليه عامة أصحابنا ، أنه ليس بعام ، لأن أهل اللغة سموه [ ص: 180 ] نكرة ، ولو تناول جميع الجنس لم يكن نكرة . قال : وعلى هذا فيما يحمل عليه وجهان :

                                                      أحدهما : على أقل الجمع وحكاه صاحب " المعتمد " عن أبي هاشم .

                                                      والثاني : يحمل على الجمع ولا يقتصر على أقله . قال سليم : والأول أشبه . قال صاحب " الميزان " : وأصل الخلاف أن النكرة في سياق الإثبات تعم عند المعتزلة على طريق البدل ، كما قالوا في خصال الكفارة .

                                                      ومنهم من حكى في المسألة ثلاثة مذاهب ، أصحها ليس بعام .

                                                      والثاني : عام ، وهو رأي المعتزلة والحنفية ، حيث قالوا : العام ما انتظم جمعا من المسميات .

                                                      والثالث : أنه واسطة بينهما ، وهو قول صدر الشريعة من الحنفية ، وهو غريب . تنبيهان

                                                      أحدهما : أطلقوا الخلاف . قال الصفي الهندي : والذي أظنه أن الخلاف في غير جمع القلة ، وإلا فالخلاف فيه بعيد جدا إذ هو مخالف لنصهم ، فإنهم نصوا على أنه للعشرة فما دونها بطريق الحقيقة ، فالقول بأنه للعموم بطريق الحقيقة مخالف لقولهم ، انتهى .

                                                      لكن حكاه الجمهور عن الجبائي ، ومنهم القاضي أبو بكر في مختصر التقريب مصرحا بأنه يجعل الجمع المنكر بمنزلة المعرف ، وقضية ذلك عدم التفرقة بين جموع القلة والكثرة ، وهو قضية كلام البزدوي ، أعني أن [ ص: 181 ] جموع القلة للعموم وإن كانت منكرة ، وعلى هذا فيحمل على أقل الجمع الصالح له ، لكن فرق بعض الحنفية بينهما ، فقال في جمع القلة المنكر : يحمل على المتيقن ، وهو أقل الجمع ، وجمع الكثرة يحمل على العموم وإن كان نكرة .

                                                      ويشهد لذلك أيضا أنهم حكوا عن الجبائي صحة الاستثناء من الجمع المنكر .

                                                      وهي مسألة خلاف بين النحويين ، فمنهم من جوزه ، لأن النكرة مترددة بين محال غير متناهية ، لأنها عامة على البدل ، فحسن الاستثناء من أجل عموم المحال ، وعلى هذا فنقول : جاءني رجال إلا زيد ، وقيل بالمنع ، وهو الصحيح عند الجمهور ، لأن النكرة لا تتناول أكثر من فرد بلفظها ، فيكون الإخراج منها محالا ، ولهذا كانت في قوله تعالى : { لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا } للوصف لا الاستثناء ، ويقوي الأول قوله تعالى : { إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا } ، فإنهم نصوا على أن أل الجنسية في المعنى كالنكرة لعدم التعيين .

                                                      الثاني : أن القائلين بأنه عام ينبغي أن يعلم أن مرادهم باعتبار صلاحيته لأفراد الجموع لا استغراق الأفراد .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية