الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( ويسن لسامعه ) ومستمعه ومثله المقيم ( مثل [ ص: 421 ] قوله ) وإن كان جنبا وحائضا ونحوهما خلافا للسبكي في قوله لا يجيبان لخبر { كرهت أن أذكر الله إلا على طهر } قال : والتوسط أنه يسن للمحدث لا للجنب والحائض { لأنه صلى الله عليه وسلم كان يذكر الله على كل أحيانه إلا الجنابة } ، ولابنه في التوشيح في قوله ويمكن أن يتوسط فيقال تجيب الحائض لطول أمدها بخلاف الجنب ، والخبران لا يدلان على غير الجنابة وليس الحيض في معناها لما ذكر انتهى . إذ في دعواه أن الخبرين لا يدلان على غير الجنابة نظر ، بل ظاهر الأول الكراهة للثلاثة ، وقد يقال : يؤيدها كراهة الأذان والإقامة لهم . ويفرق بأن المؤذن والمقيم مقصران حيث لم يتطهروا عند مراقبتهما الوقت والمجيب لا تقصير منه لأن إجابته تابعة لأذان غيره وهو لا يعلم غالبا وقت أذانه ، وشملت عبارة المصنف المجامع وقاضي الحاجة غير أنهما إنما يجيبان بعد فراغهما كما في المجموع ، وظاهر أن محله ما لم يطل الفصل عرفا وإلا لم يستحب لهما الإجابة ومن في صلاة ، لكن الأصح عدم استحباب الإجابة في حقه بل هي مكروهة ، فإن قال في التثويب صدقت وبررت ، أو قال حي على الصلاة أو الصلاة خير من النوم بطلت صلاته ، بخلاف ما لو قال صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا تبطل به كما في المجموع . ولو كان المصلي يقرأ في الفاتحة فأجابه قطع موالاتها ووجب عليه أن يستأنفها ولو كان السامع ونحوه في ذكر أو قراءة سن له الإجابة وقطع ما هو فيه أو في طواف أجابه فيه كما قاله الماوردي . ويستحب أن يجيب في كل كلمة عقبها بأن لا يقارنه ولا يتأخر عنه قاله في المجموع . قال الإسنوي : ومقتضاه الإجزاء في هذه الحالة وعدمه عند التقدم وهو كذلك ، وما ذهب إليه ابن العماد من عدم حصول سنة الإجابة في حالة المقارنة محمول على نفي الفضيلة الكاملة ، وأفهم كلام المصنف عدم استحباب الإجابة إذا علم بأذان غيره : أي أو إقامته ولم يسمع ذلك لصمم أو بعد . وقال في المجموع : إنه الظاهر لأنها معلقة بالسماع في خبر { إذا سمعتم المؤذن } وكما في نظيره في تشميت العاطس قال : وإذا لم يسمع الترجيع فالظاهر أنه تسن الإجابة فيه لقوله صلى الله عليه وسلم { قولوا مثل ما يقول } ولم يقل مثل ما تسمعون ، وصرح الزركشي وغيره باستحباب الإجابة في جميعه إذا لم يسمع إلا بعضه ، وهو ظاهر

                                                                                                                            [ ص: 422 ] كما يؤخذ من كلام المجموع ، قال فيه : وإذا سمع مؤذنا بعد مؤذن فالمختار أن أصل الفضيلة في الإجابة شامل للجميع إلا أن الأول متأكد يكره تركه . وقال العز بن عبد السلام : إن إجابة الأول أفضل إلا أذاني الصبح فلا أفضلية فيهما لتقدم الأول ووقوع الثاني في الوقت وإلا أذاني الجمعة لتقدم الأول ومشروعية الثاني في زمنه عليه الصلاة والسلام ومما عمت البلوى ما إذا أذن المؤذنون واختلطت أصواتهم على السامع وصار بعضهم يسبق بعضا وقد قال بعضهم : لا تستحب إجابة هؤلاء ، والذي أفتى به الشيخ عز الدين أنه تستحب إجابتهم ( إلا في حيعلتيه ) وهما حي على الصلاة حي على الفلاح ( فيقول ) بدل كل منها ( لا حول ) عن المعصية إلا بعصمة الله ( ولا قوة ) على الطاعة ( إلا بالله ) للخبر السابق ، ولأن الحيعلتين دعاء إلى الصلاة فلا يليق بغير المؤذن ، إذ لو قاله السامع لكان الناس كلهم دعاة فمن المجيب ، فسن للمجيب ذلك لأنه تفويض محض إلى الله تعالى ( قلت : وإلا في التثويب ) في أذان الصبح ( فيقول ) بدل كلمتيه ( صدقت وبررت ، والله أعلم ) بكسر الراء الأولى وحكي فتحها : أي صرت ذا بر : أي خير كثير للمناسبة ولورود خبر فيه قاله ابن الرفعة ، وادعى الدميري أنه غير معروف .

                                                                                                                            ويجاب عنه بأن من حفظ حجة على من لم يحفظ ، فلو كان المؤذن يثني الإقامة فهل يثني السامع ؟ يحتمل أن يقال نعم ويحتمل أن يخرج فيه خلاف من أن الاعتبار بعقيدة الإمام أو المأموم ، وقد تعرض لهذه المسألة ابن كج في التجريد وجزم فيها بالأول وعبارته : وإذا ثنى المؤذن الإقامة يستحب لكل من سمعه أن يقول مثله ويجيب سامع الإقامة بمثل ما سمعه إلا في كلمتي الإقامة فإنه يقول : أقامها الله وأدامها وجعلني من صالحي أهلها

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : ويسن لسامعه ) شامل للأذان للصلاة ولغيرها كالأذان في أذن المولود وخلف المسافر ، ويوافقه عموم حديث { إذا سمعتم المؤذن } إلخ الآتي فإن المتبادر أن اللام فيه للاستغراق ، فكأنه قيل : إذا سمعتم أي مؤذن سواء أذن للصلاة أو لغيرها ، لكن نقل عن م ر أنه لا سكنى إلا أذان الصلاة ، وعليه فاللام في قوله إذا سمعتم المؤذن للعهد فليراجع ، وظاهر قوله لسامعه أنه يجيب ولو بصوت لم يفهمه كما جزم به ابن الرفعة حج انتهى سم على منهج ، وعبارته على المنهاج : ويسن لسامعه كالإقامة بأن يفسر اللفظ وإلا لم يعتد بسماعه نظير ما يأتي في السورة للإمام انتهى . وفي سم على البهجة قال في العباب : ولو ثنى حنفي احتمل أنه لا يجيبه في الزيادة لأنه يراها خلاف السنة وقياسا على الاعتبار بعقيدة المأموم وكما لو زاد في الأذان تكبيرا أو غيره فإن الظاهر أنه لا يتابعه انتهى . وهو متجه جدا وإن أجاب بعضهم بأنها سنة في اعتقاد الآتي بها سنة الإقامة فيندب إجابتها ، وفرق بينها وبين اعتبار عقيدة المأموم بأن الإمامة لا بد فيها من رابطة وهي متعذرة مع اعتقاد المأموم بطلان صلاة الإمام ، وهنا لا يحتاج لرابطة بينها وبين الزيادة في الأذان بأنه لا قائل بها يعتد به فلم يراع خلافه ، بخلاف تثنية كلام الإقامة انتهى فليتأمل . ثم رأيت قول الشارح الآتي فلو كان المؤذن يثني الإقامة فهل يثني السامع إلخ وهو مخالف لما هنا .

                                                                                                                            [ فرع ] لو دخل يوم الجمعة في أثناء الأذان بين يدي الخطيب ، ففي العباب تبعا لما اختاره أبو شكيل أنه يجيب قائما ثم يصلي التحية بخفة ليسمع أول الخطبة سم على حج . ولو قيل بأنه يصلي ثم يجيب لم يكن بعيدا لأن الإجابة لا تفوت بطول الفصل ما لم يفحش الطول ، على أنه يمكنه الإتيان بالإجابة والخطيب يخطب ، بخلاف [ ص: 421 ] الصلاة فإنها تمتنع عليه إذا طال الفصل ( قوله : ونحوهما ) أي كالنفساء ( قوله : على كل أحيانه ) أي في كل أحيانه ، وقوله ولابنه : أي السبكي في التوشيح وهو التاج السبكي ( قوله ما لم يطل الفصل ) قد يخالف هذا ما مر له بعد قول المصنف وموالاته من أنه إذا عطس أو سلم عليه شخص حمد الله ورد السلام بعد الفراغ وإن طال الفصل ، وقد يجمع بينهما بحمل ما هنا على ما إذا فحش الطول وما مر على خلافه بأن طال بلا فحش ( قوله : أو قال حي على الصلاة ) خرج به ما لو قال في إجابة الحيعلتين لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم فلا يضر ، ولعل هذا هو المراد من قول حج : ويكره لمن في صلاة إلا الحيعلة والتثويب أو صدقت فإنه يبطلها إن علم وتعمد ( قوله : قطع موالاتها ) أي قطع فعله وهو الإجابة موالاتها ( قوله في هذه الحالة ) وهي المقارنة والتأخر ( قوله إذا لم يسمع إلا بعضه )

                                                                                                                            [ ص: 422 ] أي سواء كان من الأول أو الآخر ( قوله إلا أن الأول متأكد ) أي جوابه ( قوله : ما إذا أذن المؤذنون ) أي في محل واحد أو محال وسمع الجميع ( قوله : والذي أفتى به الشيخ عز الدين ) معتمد ( قوله : إنه تستحب إجابتهم ) أي إجابة واحدة ويتحقق ذلك بأن يتأخر بكل كلمة حتى يغلب على ظنه أنهم أتوا بها بحيث تقع إجابته متأخرة أو مقارنة ( قوله : وبررت ) زاد في العباب وبالحق نطقت به ( قوله : يحتمل أن يقال ) معتمد ( قوله : وأدامها ) زاد حج : ما دامت السموات والأرض .

                                                                                                                            وقوله وجعلني من صالحي أهلها .

                                                                                                                            زاد حج : لخبر أبي داود به



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : ومستمعه ) لا حاجة إليه [ ص: 421 ] قوله : ولابنه ) أي وخلافا لابن السبكي في كتابه التوشيح ( قوله : والخبران لا يدلان ) أي من حيث المجموع إذ الأول وإن كان عاما ، فهو مخصوص بالثاني هذا هو مراده فيما يظهر وإلا ، فهو لا يسعه أن ينكر عموم الأول في حد ذاته وبهذا يندفع تنظير الشارح الآتي في كلامه فتأمل ( قوله : ومن في صلاة إلخ ) عبارة الإمداد للشهاب ابن حجر بعد قول الإرشاد ويجيب لا مصليا ونحوه نصها : ممن يكره له الكلام كقاض حاجة ومجامع وغيرهما ممن يأتي فلا تسن لهؤلاء الإجابة بل تكره بل إن كانت إجابة المصلي بحيعلتيه أو تثويب أو صدقت وبررت أو قد قامت الصلاة بطلت بخلاف صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقامها الله وأدامها وتتأكد له الإجابة بعد الفراغ إلى أن قال : وكذا يقال : في كل من طلب منه ترك الإجابة لعذر كقاضي الحاجة ، والمجامع ومن بمحل النجاسة إلى آخر ما ذكره رحمه الله ( قوله : في هذه الحالة ) يعني حالتي المقارنة والتأخر [ ص: 422 ] وذلك ; لأنه إنما نفى بهما السنية لا الإجزاء ( قوله : والذي أفتى به الشيخ عز الدين أنه تستحب إجابتهم ) والصورة أن الأذان مشروع ، إذ الصورة أن كل واحد يؤذن على حدة لكنهم تقاربوا فاشتبهت أصواتهم على السامع




                                                                                                                            الخدمات العلمية