الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة ) قرأ الجمهور : واعدنا ، وقرأ أبو عمرو : وعدنا بغير ألف هنا ، وفي الأعراف وطه . ويحتمل ( واعدنا ) : أن يكون بمعنى وعدنا ، ويكون صدر من واحد ، ويحتمل أن يكون من اثنين على أصل المفاعلة ، فيكون الله قد وعد موسى الوحي ، ويكون موسى وعد الله المجيء للميقات ، أو يكون الوعد من الله وقبوله كان من موسى ، وقبول الوعد يشبه الوعد . قال القفال : ولا يبعد أن يكون الآدمي يعد الله بمعنى يعاهده . وقيل : وعد : إذا كان عن غير طلب ، وواعد إذا كان عن طلب . وقد رجح أبو عبيد قراءة من قرأ ( وعدنا ) بغير ألف ، وأنكر قراءة من قرأ : واعدنا بالألف ، ووافقه على معنى ما قال أبو حاتم ومكي . وقال أبو عبيد : المواعدة لا تكون إلا من البشر ، وقال أبو حاتم : أكثر ما تكون المواعدة من المخلوقين المتكافئين ، كل واحد منهما يعد صاحبه ، وقد مر تخريج واعد على تلك الوجوه السابقة ، ولا وجه لترجيح إحدى القراءتين على الأخرى ; لأن كلا منهما متواتر ، فهما في الصحة على حد سواء . وأكثر القراء على القراءة بألف ، وهي قراءة مجاهد ، والأعرج ، وابن كثير ، ونافع ، والأعمش ، وحمزة ، والكسائي . موسى : هو موسى بن عمران بن يصهر بن قاهث بن لاوي بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الرحمن . وذكر الشريف أبو البركات محمد بن أسعد بن علي الحواني النسابة : أن موسى - على نبينا وعليه السلام - هو : موسى بن عمران بن قاهث ، وتقدم الكلام في لفظ موسى العلم . وأما موسى الحديدة ، التي يحلق بها الشعر ، فهي مؤنثة عربية مشتقة من : أسوت الشيء : إذا أصلحته ، ووزنها مفعل ، وأصلها الهمز ، وقيل : اشتقاقها من : أوسيت : إذا حلقت ، وهذا الاشتقاق أشبه بها ، ولا أصل للواو في الهمز على هذا .

أربعين ليلة : ذو الحجة وعشر من المحرم ، أو ذو القعدة وعشر من ذي الحجة ، قاله أبو العالية وأكثر المفسرين ، وقرأ علي وعيسى بن عمر بكسر باء ( أربعين ) شاذا اتباعا . ونصب ( أربعين ) على المفعول الثاني لواعدنا ، على أنها هي الموعودة ، أو على حذف مضاف ، التقدير : تمام ، أو انقضاء أربعين . حذف وأقيم المضاف إليه مقامه فأعرب إعرابه ، قاله الأخفش ، فيكون مثل قوله :


فواعديه سرحتي مالك أو النقا بينهما أسهلا



أي إتيان سرحتي مالك .

ولا يجوز نصب أربعين على الظرف لأنه ظرف معدود ، فيلزم وقوع العامل في كل فرد من أجزائه ، والمواعدة لم تقع كذلك . وليلة : منصوب على التمييز الجائي بعد تمام الاسم ، والعامل في هذا النوع من التمييز اسم العدد قبله ، شبه أربعين بضاربين ، ولا يجوز تقديم هذا النوع من التمييز على اسم العدد بإجماع ، ولا الفصل بينهما بالمجرور إلا ضرورة ، نحو :


على أنني بعدما قد مضى     ثلاثون للهجر حولا كميلا
وعشرين منها أصبعا من ورائنا



ولا تعريف للتمييز ، خلافا لبعض الكوفيين وأبي الحسين بن الطراوة . وأول أصحابنا ما حكاه أبو زيد الأنصاري من قول العرب : ما فعلت العشرون الدرهم ، وما جاء نحو هذا ، مما يدل على التعريف ، وذلك مذكور في علم النحو . وكان تفسير الأربعين بليلة دون يوم ; لأن أول الشهر ليلة الهلال ، ولهذا أرخ بالليالي ، واعتماد العرب على الأهلة ، فصارت الأيام تبعا لليالي ، أو لأن الظلمة أقدم من الضوء بدليل ( وآية لهم الليل نسلخ منه النهار ) ، أو دلالة على مواصلته الصوم ليلا ونهارا ; لأنه لو كان التفسير باليوم أمكن أن يعتقد أنه كان يفطر بالليل ، فلما نص على الليالي اقتضت قوة الكلام أنه واصل أربعين ليلة بأيامها .

[ ص: 200 ] وهذه المواعدة للتكلم ، أو لإنزال التوراة . قال المهدوي : وكان ذلك بعد أن جاوز البحر ، وسأله قومه أن يأتيهم بكتاب من عند الله ، فخرج إلى الطور في سبعين رجلا من خيار بني إسرائيل ، وصعد الجبل وواعدهم إلى تمام أربعين ليلة ، فقعدوا فيما ذكره المفسرون عشرين يوما وعشرة ليال ، فقالوا : قد أخلفنا موعده . انتهى كلامه . وقال الزمخشري : لما دخل بنو إسرائيل مصر بعد هلاك فرعون ، ولم يكن لهم كتاب ينتهون إليه ، وعد الله أن ينزل عليهم التوراة ، وضرب له ميقاتا . انتهى .

التالي السابق


الخدمات العلمية