الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
بيان صفة الدنيا بالأمثلة .

اعلم أن الدنيا سريعة الفناء قريبة الانقضاء تعد بالبقاء ثم تخلف في الوفاء تنظر إليها ، فتراها ساكنة مستقرة ، وهي سائرة سيرا عنيفا ومرتحلة ارتحالا سريعا ، ولكن الناظر إليها قد لا يحس بحركتها فيطمئن إليها ، وإنما يحس عند انقضائها ، ومثالها الظل ، فإنه متحرك ساكن متحرك في الحقيقة ساكن الظاهر ، لا تدرك حركته بالبصر الظاهر ، بل بالبصيرة الباطنة ولما ذكرت الدنيا عند الحسن البصري رحمه الله أنشد ، وقال:


أحلام نوم أو كظل زائل إن اللبيب بمثلها لا يخدع

وكان الحسن بن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه يتمثل كثيرا ويقول .

يا أهل لذات دنيا لا بقاء لها إن اغترارا بظل زائل حمق وقيل إن هذا من قوله ويقال إن أعرابيا : نزل بقوم ، فقدموا إليه طعاما ، فأكل ، ثم قام إلى ظل خيمة لهم ، فنام هناك فاقتلعوا الخيمة فأصابته الشمس ، فانتبه ، فقام وهو يقول .

ألا :

إنما الدنيا كظل بنيته     ولا بد يوما أن ظلك زائل

وكذلك قيل :


وإن امرأ دنياه أكبر همه     لمستمسك منها بحبل غرور

.

التالي السابق


(بيان صفة الدنيا بالأمثلة)

(اعلم) هداك الله تعالى (أن الدنيا سريعة الفناء) ، أي: تفنى سريعا (قريبة الانقضاء) ، أي: تنقضي قريبا (تعد) محبيها (بالبقاء) ، أي: تمنيهم بأنهم يبقون فيها (ثم تخلف الوفاء) ، وهذا معنى قول علي - رضي الله عنه - في بعض خطبه، ووعدها خلف (تنظر إليها، فتراها ساكنة مستقرة، وهي سائرة سيرا عنيفا) ، أي: شديدا (ومرتحلة ارتحالا سريعا، ولكن الناظر إليها قد لا يحس بحركتها فيطمئن إليها، وإنما يحس عند انقضائها، ومثالها الظل، فإنه متحرك ساكن) ، أي: متصف بوصفين: التحرك والسكون، باعتبارين مختلفين (متحرك في الحقيقة) ، ولولا ذلك لما انتقل (ساكن في الظاهر، ولكن لا تدرك حركته بالبصر الظاهر، بل بالبصيرة الباطنة) ، وقد جاء تشبيهها به في كلام علي - رضي الله عنه -، وغيره، تارة بالظل الزائل، وتارة بالفيء المائل، ومنه قول الشاعر:


إنما الدنيا كظل زائل

(ولما ذكرت الدنيا عند الحسن البصري - رحمه الله تعالى - أنشد، وقال) :


(أحلام نوم أو كظل زائل إن اللبيب بمثلها لا يخدع)

وكان الحسن بن علي - رضي الله عنهما - يتمثل، ويقول:


يا أهل لذات دنيا لا بقاء لها إن اغترارا بظل زائل حمق

(وكان يرى أنه من قوله) ، أي: هو الذي أنشأه (ويقال: نزل أعرابي بقوم، فقدموا إليه طعاما، فأكل، ثم قام إلى ظل خيمة لهم، فنام هناك فاقتلعوا الخيمة فأصابته الشمس، فانتبه من النوم، فقام وهو يقول:


إلا إنما الدنيا كظل بنيته ولا بد يوما أن ظلك زائل)

(وكذلك قيل:


وإن امرأ دنياه أكبر همه لمستمسك منها بحبل غرور )

.

هكذا أنشده الأصمعي، وله قصة .

(مثال آخر للدنيا) (اعلم أن الدنيا من حيث التغرير بخيالاتها) ، أي: إيقاع الغرور بما يتخيل منها، (ثم الإفلاس منها بعد إفلاتها) ، أي: اليأس منها بعد شرودها (تشبه خيالات المنام وأضغاث الأحلام) ، وهي أخلاط منامات، واحدها ضغث حلم من ذلك; لأنه يشبه الرؤيا الصادقة، وليس بها، (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الدنيا حلم، وأهلها عليها مجازون، ومعاقبون) .

قال العراقي: لم أجد له أصلا .

(وقال يونس بن عبيد) بن دينار العبسي أبو عبيد البصري، ثقة ثبت، فاضل ورع، مات سنة تسعة وثلاثين، روى له الجماعة: (ما شبهت نفسي في الدنيا إلا كرجل نائم، فرأى في منامه ما يكره، فبينما هو كذلك; إذ انتبه) من نومه (فكذلك الناس نيام، فإذا ماتوا انتبهوا، فإذا ليس بأيديهم مما ركنوا إليه، وفرحوا به) ، وقوله: الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا، هو من قول علي - رضي الله عنه - قاله السخاوي في المقاصد، ورواه أبو نعيم في الحلية من طريق المعافى بن عمران، عن سفيان الثوري من قوله: (وقيل لبعض الحكماء) : أي شيء أشبه بالدنيا؟ قال: أحلام النائم .




الخدمات العلمية