الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              4099 4357 - حدثنا يوسف بن موسى أخبرنا أبو أسامة، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس عن جرير قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " ألا تريحني من ذي الخلصة؟ ". فقلت: بلى. فانطلقت في خمسين ومائة فارس من أحمس، وكانوا أصحاب خيل، وكنت لا أثبت على الخيل، فذكرت ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فضرب يده على صدري، حتى رأيت أثر يده في صدري وقال: "اللهم ثبته واجعله هاديا مهديا". قال: فما وقعت عن فرس بعد. قال وكان ذو الخلصة بيتا باليمن لخثعم وبجيلة، فيه نصب تعبد، يقال له: الكعبة. قال: فأتاها فحرقها بالنار وكسرها. قال: ولما قدم جرير اليمن كان بها رجل يستقسم بالأزلام، فقيل له: إن رسول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ها هنا فإن قدر عليك ضرب عنقك. قال: فبينما هو يضرب بها إذ وقف عليه جرير فقال: لتكسرنها

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 526 ] ولتشهدا أن لا إله إلا الله، أو لأضربن عنقك. قال: فكسرها وشهد، ثم بعث جرير رجلا من أحمس يكنى أبا أرطاة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يبشره بذلك، فلما أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: يا رسول الله، والذي بعثك بالحق ما جئت حتى تركتها كأنها جمل أجرب. قال: فبرك النبي - صلى الله عليه وسلم - على خيل أحمس ورجالها خمس مرات.
                                                                                                                                                                                                                              [انظر: 3020- مسلم: 2475 ، 2476 - فتح: 8 \ 70]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخلصة: بضم الخاء واللام -وقال ابن إسحاق: بفتحهما، كما أسلفناه في ترجمة جرير عن ابن هشام- صنم لدوس سيعبد في آخر الزمان، كما ثبت في الحديث: "لا تقوم الساعة حتى تصطفق أليات نساء دوس وخثعم حول ذي الخلصة" والخلصة في اللغة: نبات ينبت نبات الكرم طيب الريح تتعلق بالشجر، له حب كعنب الثعلب. وجمع الخلصة: خلص، وله ورق أغبر رقاق، وهو أحمر لا يؤكل ويرعى، قاله أبو عبيدة فيما ذكره المبرد. ولما وتر بامرئ القيس قيل: استقسم عنده بثلاثة أزلام: الزاجر والآمر والمتربص، فخرج له الزاجر فسب الصنم ورماه بالحجارة وقال: اعضض ببظر أمك. وذكر شعرا، ذكره أبو الفرج الأصبهاني قال: فلم يستقسم عنده أحد -يعني: بعد [حتى] جاء الإسلام .

                                                                                                                                                                                                                              ثم ذكر البخاري في الباب ثلاثة أحاديث كلها عن جرير:

                                                                                                                                                                                                                              أحدها:

                                                                                                                                                                                                                              قال: كان بيت في الجاهلية يقال له: ذو الخلصة والكعبة اليمانية والكعبة الشامية، فقال له - عليه السلام -: "ألا تريحني من ذي الخلصة؟ ".

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 527 ] فنفرت في مائة وخمسين راكبا، فكسرناه وقتلنا من وجدنا، فأتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبرته، فدعا لنا ولأحمس.


                                                                                                                                                                                                                              ثانيها:

                                                                                                                                                                                                                              عنه أيضا بمثله، وفيه: وكان بيتا في خثعم يسمى كعبة اليمانية، وكنت لا أثبت على الخيل، فضرب في صدري حتى رأيت أثر أصابعه في صدري، وقال: "اللهم ثبته واجعله هاديا مهديا". فانطلق إليها فكسرها وحرقها، ثم بعث إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال رسول جرير: والذي بعثك بالحق، ما جئتك حتى تركتها كأنها جمل أجرب. قال: فبارك في خيل أحمس ورجالها خمس مرات.

                                                                                                                                                                                                                              ثالثها:

                                                                                                                                                                                                                              عنه أيضا بمثله، وفيه: وكان ذو الخلصة بيتا باليمن لخثعم وبجيلة، فيه نصب تعبد، يقال له: الكعبة. قال: ولما قدم جرير اليمن كان فيها رجل يستقسم بالأزلام، فقيل له: إن رسول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ههنا فإن قدر عليك ضرب عنقك. قال: فبينما هو يضرب بها إذ وقف عليه جرير فقال: لتكسرنها (ولتشهدن) أن لا إله إلا الله، أو لأضربن عنقك. قال: فكسرها وشهد، ثم بعث جرير رجلا من أحمس يكنى أبا أرطاة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يبشره بذلك .. الحديث.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 528 ] وقد سلف في مناقب جرير واضحا . قال الداودي: وقيل لها: اليمانية; لأنها كانت في اليمن. قال: ولعلها سميت شامية; لأن بابها يقابل الشام، وسموها الكعبة مضاهاة للبيت الحرام. وفي مسلم: وكان يقال له: الكعبة اليمانية . أي: من أجله و (له) بمعنى من أجله لا تنكر في العربية. كما أسلفناه هناك.

                                                                                                                                                                                                                              وهذه السرية كانت قبل وفاته - عليه السلام - بشهرين أو نحوهما.

                                                                                                                                                                                                                              وأبو أرطاة رسول جرير، اسمه: حصين بن ربيعة بن الأزور بن سلمة بن مرة بن سعد أخي ذهل، ابني معاوية بن أسلم بن أحمس بن الغوث، أخي عبقر، والد علقة بن عبقر، ابني أنمار بن إراش، وأنمار أبو بجيلة وأبو خثعم أيضا. وقيل: اسمه حسين بالسين، وكذا سماه مسلم في روايته ، والأكثر بالصاد، ويقال: حصن، وقيل: ربيعة بن حصن، وقيل: ابن حسين. وفي كتاب أبي موسى: وقيل: أرطاة. وقيل: أبو أرطاة. وقيل: بقير.

                                                                                                                                                                                                                              وخثعم هو ابن أنمار بن إراش وإخوته لأبيه: الصور وعبقر وصهيبة وخزيمة وأشهل وسهل وطريف وحذيفة والحارث بنو أنمار، أمهم بجيلة بنت صعب، أخت باهلة، ولدت وحضنت لمعن بن مالك بن أعصر بن سعد بن قيس عيلان، وغطفان بن سعد، وعلي بن أعصر بن سعد.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 529 ] وأحمس هذا -بالحاء المهملة- هو أحمس بجيلة، وهو ابن الغوث بن أنمار بن إراش بن عمرو بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبإ، وهو غير أحمس بن ضبيعة بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان.

                                                                                                                                                                                                                              وهما من: حمس الرجل: إذا سمع، وأيضا: هاج وغضب، فهو حمس وأحمس، كرجل وأرجل، والأصل فيه الشدة، ومنه: حمست الحرب، وحمس الشيء: إذا اشتد، وكان يقال لقريش: الحمس أي: المتشددون في دينهم، ويقال لهم أيضا: الأحاميس.

                                                                                                                                                                                                                              وفيه: بركة دعائه - صلى الله عليه وسلم -، وكذا ضربه يده في صدره; لينال بركة ذلك.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: ("ألا تريحني من ذي الخلصة؟ ") سببه كراهية أن يعبد غير الله.

                                                                                                                                                                                                                              وجرير هو ابن عبد الله بن جابر، وهو السليل بن مالك بن نصر بن ثعلبة بن جشم بن عويف بن خزيمة بن حرب بن علي. ويقال: عدي بن مالك بن سعد بن زيد بن قسر، وهو مالك بن عبقر بن أنمار بن إراش -بهمزة مكسورة كما أسلفناه في ترجمته- مات بقرقيسيا سنة إحدى وخمسين، وقيل: سنة أربع وخمسين بعد المغيرة بن شعبة.




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية