الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 7584 ) مسألة ; قال : ولا يقطع شجرهم ، ولا يحرق زرعهم ، إلا أن يكونوا يفعلون ذلك في بلادنا ، فيفعل ذلك بهم لينتهوا وجملته أن الشجر والزرع ينقسم ثلاثة أقسام ; أحدها ، ما تدعو الحاجة إلى إتلافه كالذي يقرب من حصونهم ، ويمنع من قتالهم ، أو يسترون به من المسلمين ، أو يحتاج إلى قطعه لتوسعة طريق ، أو تمكن من قتال ، أو سد بثق ، أو إصلاح طريق ، أو ستارة منجنيق ، أو غيره ، أو [ ص: 234 ] يكونون يفعلون ذلك بنا ، فيفعل بهم ذلك ، لينتهوا ، فهذا يجوز ، بغير خلاف نعلمه .

                                                                                                                                            الثاني ، ما يتضرر المسلمون بقطعه ، لكونهم ينتفعون ببقائه لعلوفتهم ، أو يستظلون به ، أو يأكلون من ثمره ، أو تكون العادة لم تجر بذلك بيننا وبين عدونا ، فإذا فعلناه بهم فعلوه بنا ، فهذا يحرم ; لما فيه من الإضرار بالمسلمين . الثالث ، ما عدا هذين القسمين ، مما لا ضرر فيه بالمسلمين ، ولا نفع سوى غيظ الكفار ، والإضرار بهم ، ففيه روايتان ; إحداهما ، لا يجوز ; لحديث أبي بكر ووصيته ، وقد روي نحو ذلك مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولأن فيه إتلافا محضا ، فلم يجز ، كعقر الحيوان . وبهذا قال الأوزاعي ، والليث ، وأبو ثور . والرواية الثانية ، يجوز .

                                                                                                                                            وبهذا قال ومالك ، والشافعي ، وإسحاق ، وابن المنذر . قال إسحاق : التحريق سنة ، إذا كان أنكى في العدو ; لقول الله تعالى : { ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله وليخزي الفاسقين } .

                                                                                                                                            وروى ابن عمر ، { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرق نخل بني النضير ، وقطع ، وهو البويرة ، } فأنزل الله تعالى : { ما قطعتم من لينة } . ولها يقول حسان :

                                                                                                                                            وهان على سراة بني لؤي حريق بالبويرة مستطير

                                                                                                                                            متفق عليه . وعن الزهري ، قال : { فحدثني أسامة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عهد إليه ، فقال : أغر على أبنا صباحا وحرق } . رواه أبو داود .

                                                                                                                                            قيل لأبي مسهر : أبنا . قال : نحن أعلم ، هي يبنا فلسطين . والصحيح أنها أبنا ، كما جاءت الرواية ، وهي قرية من أرض الكرك ، في أطراف الشام ، في الناحية التي قتل فيها أبوه ، فأما يبنا فهي من أرض فلسطين ، ولم يكن أسامة ليصل إليها ، ولا يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالإغارة عليها ، لبعدها ، والخطر بالمصير إليها ، لتوسطها في البلاد ، وبعدها من طرف الشام ، فما كان النبي صلى الله عليه وسلم ليأمره بالتغرير بالمسلمين ، فكيف يحمل الخبر عليها ، مع مخالفة لفظ الرواية ، وفساد المعنى ، .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية