الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              4104 [ ص: 535 ] 4362 - حدثنا مسدد، حدثنا يحيى عن ابن جريج قال: أخبرني عمرو، أنه سمع جابرا - رضي الله عنه - يقول: غزونا جيش الخبط وأمر أبو عبيدة، فجعنا جوعا شديدا، فألقى البحر حوتا ميتا، لم نر مثله، يقال له: العنبر، فأكلنا منه نصف شهر، فأخذ أبو عبيدة عظما من عظامه، فمر الراكب تحته. فأخبرني أبو الزبير، أنه سمع جابرا يقول: قال أبو عبيدة: كلوا. فلما قدمنا المدينة ذكرنا ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: " كلوا، رزقا أخرجه الله، أطعمونا إن كان معكم". فأتاه بعضهم [ بعضو ] فأكله. [انظر: 2483- مسلم: 1935 - فتح: 8 \ 78]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              (سيف): بكسر السين : شاطئه، وتدعى: سرية الخبط -كما ذكره البخاري بعد في حديث جابر- لأكلهم إياه، وكانت في رجب سنة ثمان فيما ذكره ابن سعد، وكانوا ثلاثمائة من المهاجرين والأنصار فيهم عمر بن الخطاب، وعليهم أبو عبيدة، بعثهم إلى حي من جهينة بالقبلية مما يلي ساحل البحر وبينهما وبين المدينة خمس ليال، فأصابهم جوع شديد حتى أكلوا الخبط، وابتاع قيس بن سعد (جزرا) فنحرها لهم وألقى لهم البحر حوتا عظيما، فأكلوا منه ثم انصرفوا ولم يلقوا كيدا وكانت غزوة ذات السلاسل قبلها في جمادى الآخرة من السنة على قول الحاكم وابن سعد ، وكانت غزوة مؤتة قبلها في جمادى الأولى من السنة أيضا.

                                                                                                                                                                                                                              ثم ساق البخاري في الباب أربعة أحاديث عن جابر:

                                                                                                                                                                                                                              أحدها:

                                                                                                                                                                                                                              حديث وهب بن كيسان عنه: بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعثا قبل الساحل،

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 536 ] وأمر عليهم أبا عبيدة وهم ثلاثمائة فخرجوا، ففني زادهم، وجمع أزواد القوم، فكان مزودي تمر، فاقتاتوا تمرة تمرة، فقلت -أي: قال وهب-: ما تغني عنكم تمرة؟! فقال: لقد وجدنا فقدها حين فنيت. ثم انتهينا إلى البحر، فإذا حوت مثل الظرب، فأكل منه القوم ثماني عشرة ليلة، ثم أمر أبو عبيدة بضلعين من أضلاعه فنصبا، ثم أمر براحلة فرحلت، ثم مرت تحتهما فلم تصبهما.

                                                                                                                                                                                                                              ثانيها:

                                                                                                                                                                                                                              من حديث عمرو بن دينار عنه: بعثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نرصد عير قريش. إلى أن قال: فألقى لنا البحر دابة يقال لها: العنبر، فأكلنا منها نصف شهر وادهنا من ودكه حتى ثابت إلينا أجسامنا.

                                                                                                                                                                                                                              وفيه: فعمد إلى أطول رجل معه وأخذ رجلا وبعيرا فمر تحته، قال جابر: وكان رجل من القوم نحر ثلاث جزائر، ثم ثلاثا، ثم ثلاثا، ثم إن أبا عبيدة نهاه.

                                                                                                                                                                                                                              ثالثها:

                                                                                                                                                                                                                              من حديث عمرو عنه، وفيه: فأكلنا منه نصف شهر، فأخذ أبو عبيدة عظما من عظامه، فمر الراكب تحته. وأخبرني أبو الزبير، أنه سمع جابرا يقول: قال أبو عبيدة: كلوا. فلما قدمنا المدينة ذكرنا ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: "كلوا، رزقا أخرجه الله، أطعمونا إن كان معكم". فأتاه بعضهم بعضو فأكله.

                                                                                                                                                                                                                              وهذا الحديث ذكره في الصيد والذبائح كما سيأتي ، ولمسلم من حديث أبي الزبير، عن جابر: فأكلنا منه شهرا ، وفي حديث وهب بن

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 537 ] كيسان
                                                                                                                                                                                                                              عنه عند الحاكم: اثني عشر يوما .

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن التين: إحدى روايتي البخاري -نصف شهر أو (ثمانية عشر) ليلة- وهم، أو يتجاوز أحدهما لتقارب ذلك .

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: (الظرب). كذا هو في الأصول بظاء، وهو ما ذكره أهل اللغة أيضا. ووقع في بعض النسخ بالضاد، كما حكاه ابن التين، ثم نقل عن القزاز أن الظرب -ساكن الراء-: جبل منبسط ليس بالعالي، وأن غيره قاله بكسرها: وهو الرابية. والضلع بكسر الضاد، وفتح اللام. وقوله: (فنصبا) صوابه: فنصبتا; لأن الضلع مؤنثة، نعم يجوز فيها; لأنه لا فرج لها. والودك بفتح الواو والدال.

                                                                                                                                                                                                                              و (ثابت أجسامنا): رجعت.

                                                                                                                                                                                                                              و (الخبط): الورق الذي يسقط من الشجر عند خبطك إياها. وقال الداودي: هو الورق الأخضر الرطب كانوا يأكلونه، فكان أحدهم يضع كما يضع البعير، والخبط من علف الإبل.

                                                                                                                                                                                                                              ونهي أبي عبيدة عن نحر الجزائر; خوفا من أن يبقوا بغير حمولة،

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 538 ] وكان نحرها من ماله أطعمهم إياها -كذا في كتاب ابن التين- والظاهر أنه قيس بن سعد بن عبادة ، وبه صرح الدمياطي بخطه في الذبائح. وقول أبي عبيدة: (كلوا) اعتبارا بقوله تعالى: وطعامه متاعا لكم وللسيارة وأكل الشارع منه في المدينة دال على أنه لم يبح لهم أكله للضرورة.

                                                                                                                                                                                                                              ففيه: الرد على من منع الطافي فطعامه ما طفا أو ألقاه إلى الساحل، وكذا حكم سائر حيوان البحر على اختلاف أصنافها إلا ما يعيش في بر وبحر على ما استثناه أصحابنا كالضفدع والسرطان والحية، وعند المالكية خلاف في احتياج الضفدع إلى الذكاة .




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية