الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

الآداب الشرعية والمنح المرعية

ابن مفلح - محمد بن مفلح بن محمد المقدسي

صفحة جزء
وقال في الفنون أيضا من كمال الآداب تلمح النفس وإزالة كل ما يكره منها ويؤذي عند المخالطة وإن أمكن ذاك ، وإلا فإراحة الناس بالانفراد والاعتزال فالثقيل المخالط سقم في الأبدان ومؤنة على القلوب ، وتضييق للأنفاس ، وحصر للحواس والألم يعري الأرواح تفضلا عن الأشباح ، والقذر نقضه المجالس ، والمستعلم عما يستره الناس مكشف لأستار التجمل ، والأرعن مرتعد الطباع المغلوبة بالحكمة ، والأحمق مفسد للقوانين ومحوج إلى سوء أخلاق المعلمين ، ومزر على أهل الدنيا والدين ، والمهازل مسقط لوقار المجالس مذهب لحشمة المنازل وما حط شرفا مثل هزل . وقطع الروائح الكريهة ، والبعد عن مجالس الأنس فكم من أنيس بين جلساء أوحشه مداخلة ثقيل يجهل ثقل نفسه على الناس ، وتقليل الكلام من حسن الإصغاء والإنصات ، والبعد عن العاملين ذوي النشاط إذا اعتراك التثاؤب والنعاس فذلك يكسل العمال ويفتر الصناع ، وانتقاد الألفاظ قبل إخراجها إلى الأسماع فكم من نم أراق دماءكم من حرف جر حنقا وإياك والكلام فيما ليس من مجارك فذاك يحط قدرك ، ويكشف عن محلك وأنت مع سكوتك مخبوء تحت لسانك تترامى ظنون [ ص: 586 ] الناس فيك بين من يعتقدك بذلك عالما فإذا ظهر مقدارك من لفظك تعجل سقوط قدرك .

لا تواكلن جائعا إلا بالإيثار ، ولا تواكلن غنيا إلا بالأدب ، ولا تواكلن ضيفا إلا بالنهمة والانبساط ولا تلقين أحدا بما يكره وإن كنت ناصحا فإن ذلك ينفره عن القبول لنصحك ولا تدعه من الأسماء إلا بأحبها إليه ، وتغافل عن هفوات الناس فذلك داعية لدوام العشرة ، وسلامة الود ، وخفف مؤنتك بترك الشكوى ، وإذا كرهت من غيرك خلقا فلا تأته ، وإذا حمدته فتخلق به ، ولا تستصغر كبير الذنب فتعرى ، ولا تستكبر صغيرها فتيأس ، وأعط كل ذنب حقه من عقوبته إن قدرت ، ومن اللائمة والهجران إن عن العقوبة عجزت ولا تقتض الناس بجراء إحسانك اقتضاء البائع بثمن سلعته ، ولا تمنن عليهم فالمن استيفاء لمعروفك أو تكدير لبرك فإن قدرت على هذه الخلائق في معاشرتك وإلا فالعزلة خير لك وخير للناس ، فإنك بستر نفسك تستريح من احتقاب الآثام بإسقاط جرم الأنام ، والسلام .

وروى ابن عقيل في الفنون بإسناده عن هشام بن سليمان المخزومي عن أبيه قال أذن معاوية للناس إذنا عاما فلما احتفل المجلس قال أنشدوني ثلاثة أبيات لرجل من العرب كل بيت منها مستقل بمعناه ، فسكتوا فلما سكتوا علم أنهم قد أعيوا إذ طلع عبد الله بن الزبير فقيل : مقول العرب وعلامتها ، فقال أبا خبيب فقال مهيم قال أنشدني ثلاثة أبيات لرجل من العرب كل بيت قائم بمعناه قال بستمائة ألف قال وتساوي قال فأنت بالخيار وأنت واف كاف فأنشده للأفوه الأودي : [ ص: 587 ]

بلوت الناس قرنا بعد قرن فلم أر غير ختال وقال

قال : صدقت هيه قل البيت الثاني ، فقال :

وذقت مرارة الأشياء طرا     فما طعم أمر من السؤال

قال : صدقت قل البيت الثالث فقال :

ولم أر في الخطوب أشد وقعا     وأصعب من معاداة الرجال

.

التالي السابق


الخدمات العلمية