الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          ولما أمر بالإيمان بكل ما ذكر توعد على الكفر بأي شيء منه فقال : ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالا بعيدا ، فالإيمان بالله هو الركن الأول ، والإيمان بجنس الملائكة الذين يحملون الوحي إلى الرسل هو الركن الثاني ، والإيمان بجنس الكتب التي نزل بها الملائكة على الرسل هو الركن الثالث والإيمان بجنس الرسل الذين بلغتهم الملائكة تلك الكتب فبلغوها الناس هو الركن الرابع ، والإيمان باليوم الآخر الذي يجزى فيه المكلفون على عملهم بتلك الكتب مع الإيمان بما ذكر كل بحسب كتابه إلا أن ينسخ بما بعده هو الركن الخامس ، ومن فرق بين كتب الله ورسله فآمن ببعض وكفر ببعض كاليهود والنصارى لا يعتد بإيمانه ; لأنه متبع للهوى فيه أو للتقليد الذي هو عين الجهل ، وقد وصف الله خاتم رسله وأمته التي هي خير الأمم بقوله : آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله ( 2 : 285 ) ، ولولا التقليد الذي هو جهل وعمى ، أو التعصب واتباع الهوى ، لما كان يعقل أن يفهم أحد معنى النبوة والرسالة ويؤمن بموسى وعيسى عن علم وبصيرة بذلك ، ثم يكفر بمحمد صلى الله عليه وعليهما وسلم ، فإن سر الرسالة هو الهداية ، ولم يكن موسى ولا عيسى أهدى من محمد عليهم صلوات الله وسلامه أجمعين ، فمن يكفر بالله أو بملائكته أو ببعض كتبه أو رسله أو اليوم الآخر فقد ضل عن صراط الحق الصحيح الذي ينجي صاحبه في الآخرة من العذاب الأليم ، ويمتعه بالنعيم المقيم ; لأنه إذا كفر ببعض تلك الأركان بجحود أصله وإنكاره ألبتة كانت حياته في هذه الدنيا حيوانية محضة ، لا يزكي نفسه ولا يعد روحه للحياة الباقية الأبدية ، وإن كفر ببعض الكتب والرسل كان كفره بها دليلا على أنه لم يؤمن بشيء منها إيمانا صحيحا مبنيا على فهم معناها والبصيرة بحكمتها كما بينا ذلك آنفا ، وكل ذلك من الضلال البعيد عن طريق الهداية ، ومحجة السلامة وإنما أبعده عنها جهل صاحبه لوجودها ، ومن جهل وجود الشيء لا يطلبه بالبحث عن بيناته ، وطلب أعلامه وآياته ، وأما من ضل عن الشيء وهو يؤمن بوجوده ، فإنه يبحث عنه ويستدل عليه حتى يصل إليه ، فيكون ضلاله قريبا ، ووصف الضلال بالبعيد من أبلغ الوصف وأعلاه ، وقد وحد لفظ الكتاب في أول الآية ليناسب لفظ الرسل المفرد ، وجمعه في آخرها ليناسب جمع الرسل .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية