الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        3468 حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان حدثنا جامع بن أبي راشد حدثنا أبو يعلى عن محمد بن الحنفية قال قلت لأبي أي الناس خير بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو بكر قلت ثم من قال ثم عمر وخشيت أن يقول عثمان قلت ثم أنت قال ما أنا إلا رجل من المسلمين

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        الحديث الرابع عشر قوله : ( حدثنا أبو يعلى ) هو منذر بن يعلى الكوفي الثوري ، وهو ممن وافقت كنيته اسم أبيه ، والإسناد كله كوفيون ، ومحمد ابن الحنفية هو ابن علي بن أبي طالب ، واسم الحنفية خولة بنت جعفر كما تقدم .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( قلت لأبي : أي الناس خير ؟ ) في رواية محمد بن سوقة عن منذر عن محمد بن علي " قلت لأبي : يا أبتي من خير الناس بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال : أوما تعلم يا بني ؟ قلت : لا . قال : أبو بكر " أخرجه الدارقطني ، وفي رواية الحسن بن محمد ابن الحنفية عن أبيه " قال : سبحان الله يا بني ، أبو بكر " ، وفي رواية أبي جحيفة عند أحمد " قال لي علي : يا أبا جحيفة ألا أخبرك بأفضل هذه الأمة بعد [ ص: 41 ] نبيها ؟ قلت : بلى ، قال : ولم أكن أرى أن أحدا أفضل منه " وقال في آخره : " وبعدهما آخر ثالث لم يسمه " ، وفي رواية للدارقطني في الفضائل من طريق أبي الضحى عن أبي جحيفة " وإن شئتم أخبرتكم بخير الناس بعد عمر " فلا أدري أستحيا أن يذكر نفسه أو شغله الحديث .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وخشيت أن يقول عثمان قلت : ثم أنت ، قال : ما أنا إلا رجل من المسلمين ) في رواية محمد بن سوقة " ثم عجلت للحداثة فقلت : ثم أنت يا أبتي ، فقال : أبوك رجل من المسلمين " زاد في رواية الحسن بن محمد " لي ما لهم وعلي ما عليهم " وهذا قاله علي تواضعا مع معرفته حين المسألة المذكورة أنه خير الناس يومئذ لأن ذلك كان بعد قتل عثمان ، وأما خشية محمد ابن الحنفية أن يقول عثمان ؛ فلأن محمدا كان يعتقد أن أباه أفضل ، فخشي أن عليا يقول عثمان على سبيل التواضع منه والهضم لنفسه فيضطرب حال اعتقاده ولا سيما وهو في سن الحداثة كما أشار إليه في الرواية المذكورة .

                                                                                                                                                                                                        وروى خيثمة في " فضائل الصحابة " من طريق عبيد بن أبي الجعد عن أبيه أن عليا قال ، فذكر هذا الحديث وزاد " ثم قال : ألا أخبركم بخير أمتكم بعد عمر ؟ ثم سكت ، فظننا أنه يعني نفسه " وفي رواية عبيد خبر عن علي أنه قال ذلك بعد وقعة النهروان وكانت في سنة ثمان وثلاثين ، وزاد في آخر حديثه " أحدثنا أمورا يفعل الله فيها ما يشاء " وأخرج ابن عساكر في ترجمة عثمان من طريق ضعيفة في هذا الحديث أن عليا قال : " إن الثالث عثمان " ومن طريق أخرى أن أبا جحيفة قال : " فرجعت الموالي يقولون : كنى عن عثمان ، والعرب تقول : كنى عن نفسه " وهذا يبين أنه لم يصرح بأحد ، وقد سبق بيان الاختلاف في أي الرجلين أفضل بعد أبي بكر وعمر : عثمان أو علي ؟ وأن الإجماع انعقد بآخره بين أهل السنة أن ترتيبهم في الفضل كترتيبهم في الخلافة ، رضي الله عنهم أجمعين . قال القرطبي في " المفهم " ما ملخصه : الفضائل جمع فضيلة ، وهي الخصلة الجميلة التي يحصل لصاحبها بسببها شرف وعلو منزلة إما عند الحق وإما عند الخلق ، والثاني لا عبرة به إلا إن أوصل إلى الأول ، فإذا قلنا : فلان فاضل فمعناه أن له منزلة عند الله ، وهذا لا توصل إليه إلا بالنقل عن الرسول ، فإذا جاء ذلك عنه إن كان قطعيا قطعنا به أو ظنيا عملنا به ، وإذا لم نجد الخبر فلا خفاء أنا إذا رأينا من أعانه الله على الخير ويسر له أسبابه أنا نرجو حصول تلك المنزلة له لما جاء في الشريعة من ذلك ، قال : وإذا تقرر ذلك فالمقطوع به بين أهل السنة بأفضلية أبي بكر ثم عمر ، ثم اختلفوا فيمن بعدهما : فالجمهور على تقديم عثمان ، وعن مالك التوقف ، والمسألة اجتهادية ، ومستندها أن هؤلاء الأربعة اختارهم الله تعالى لخلافة نبيه وإقامة دينه فمنزلتهم عنده بحسب ترتيبهم في الخلافة والله أعلم .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية