الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
73 [ ص: 178 ] الأصل

[ 54 ] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مسلم وعبد المجيد، عن ابن جريج، عن ابن شهاب، عن عباد بن زياد أن عروة بن المغيرة بن شعبة أخبره أن المغيرة بن شعبة أخبره أنه غزا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غزوة تبوك قال: فتبرز رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل الغائط، فحملت معه إداوة قبل الفجر، فلما رجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخذت أهريق على يديه من الإداوة وهو يغسل يديه ثلاث مرات، ثم غسل وجهه، ثم ذهب يحسر جبته عن ذراعيه فضاق كما جبته، فأدخل يده في الجبة حتى أخرج ذراعيه من أسفل الجبة وغسل ذراعيه إلى المرفقين، ثم توضأ ومسح على خفيه، ثم أقبل.

قال المغيرة: فأقبلت معه حتى نجد الناس قد قدموا عبد الرحمن بن عوف يصلي بهم، فأدرك النبي - صلى الله عليه وسلم - إحدى الركعتين معه وصلى مع الناس الركعة الأخيرة، ولما سلم عبد الرحمن قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأتم صلاته، فأفزع ذلك المسلمين وأكثروا التسبيح، فلما قضى النبي - صلى الله عليه وسلم - صلاته أقبل عليهم ثم قال: "أحسنتم" أو قال: "أصبتم" يغبطهم أن صلوا الصلاة لوقتها.


قال ابن شهاب: وحدثني إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص، عن حمزة بن المغيرة بنحو حديث عباد.

قال المغيرة: فأردت تأخير عبد الرحمن، فقال لي النبي - صلى الله عليه وسلم - "دعه".

التالي السابق


الشرح

عبد المجيد: هو ابن عبد العزيز بن أبي رواد، ميمون، أبو عبد [ ص: 179 ] الحميد المكي الأزدي.

روى عن: أبيه، وابن جريج، وعد في أفراد مسلم.

وعباد بن زياد: عن الشافعي أنه مولى المغيرة بن شعبة.

روى عنه: الزهري.

وذكر أن مالكا روى الحديث فقال: عن الزهري، عن عباد بن زياد من ولد المغيرة بن شعبة.

وعن الشافعي وغيره أنه وهم من مالك.

وعروة: هو ابن المغيرة بن شعبة الثقفي، كان أميرا على الكوفة، وهو أخو حمزة ويعقوب وعقار بني المغيرة.

وعن الشعبي: أن عروة كان خير أهل بيته.

سمع: أباه.

وروى عنه: الشعبي، ونافع بن جبير، وبكر بن عبد الله، وعباد بن زياد.

وعبد الرحمن بن عوف المذكور في متن الحديث: أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وهو ابن عوف بن عبد عوف بن عبد الحارث بن زهرة بن كلاب، أبو محمد الزهري القرشي كان اسمه عبد عمرو فسماه النبي - صلى الله عليه وسلم - عبد الرحمن [ ص: 180 ]

روى عنه: إبراهيم ابنه، وأنس، وابن عباس.

مات سنة اثنتين وثلاثين.

وإسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص قرشي زهري مديني.

سمع: أباه، وعامر بن سعد، وحميد بن عبد الرحمن.

وسمع منه: الزهري، ومالك، وابن عيينة، وصالح بن كيسان.

مات سنة أربع وثلاثين ومائة.

وحمزة بن المغيرة بن شعبة الثقفي.

سمع: أباه.

وروى عنه: إسماعيل، وبكر بن عبد الله المزني.

والحديث صحيح مدون في مسند عبد الرزاق الصنعاني بروايته عن ابن جريج، وأخرجه مسلم عن محمد بن رافع والحسن الحلواني عن عبد الرزاق، وأبو داود السجستاني من رواية يونس بن يزيد عن ابن شهاب.

وتبوك من أرض الشام، قيل: سميت بذلك لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - وجدهم يبوكون حسيتها بإدخال القدح فيه وتحريكه ليخرج الماء [ ص: 181 ] فقال: ما زلتم تبوكونها، ويقال: باك الحمار الأتان إذا نزا عليها.

والتبرز: كناية عن قضاء الحاجة مأخوذ من البراز وهو المتسع من الأرض؛ لأنهم كانوا يأتونه لقضاء الحاجة.

وقوله: أهريق على يديه بفتح الهاء، يقال: هراق الماء يهريقه هراقة، والهاء مبدلة من الهمزة ولم يقولوا أأريقه لاستثقال الهمزتين، ويجوز أهريقه بإسكان الهاء من قوله: أهراق يهريق إهرياقا فهو مهريق، والشيء مهراق، وفي الكلمة لغة ثالثة وهي: أهرقه يهرقه إهراقا.

وأورد الشافعي الحديث مستدلا به على جواز المسح على الخفين، وفيه أنه مكن غيره من حمل الماء معه، ومن إعانته في الوضوء، وأن اليدين تغسلان ثلاثا قبل الوجه، وأنه لا بأس بلبس ما ضاق كمه من الثياب، وإخراج اليد من الذيل عند الحاجة.

وقوله: ثم توضأ يعني: أتم الوضوء.

وقوله: أقبل يعني: على الناس فلحقهم، ويروى أنهم كانوا في السير حينئذ.

وفيه أن المسبوق يدخل مع الإمام في صلاته ثم [يتدارك] ما بقي بعد سلام الإمام، وأن الإمام الراتب إذا غاب فلا بأس بأن يقدم القوم أحدهم إذا لم يكرهه الإمام الراتب؛ لئلا تفوت فضيلة التعجيل، وأن عبد الرحمن كان من المقدمين المنظورين.

وقوله: فأفزع ذلك المسلمين أي: أفزعهم أن يسبقوا النبي - صلى الله عليه وسلم - بالصلاة، أو أن يؤم بعضهم بحضرته، وخافوا أن يكونوا تاركين لتعظيمه، فسكنهم النبي - صلى الله عليه وسلم - واستحسن منهم رعاية التعجيل، ويروى أن [ ص: 182 ] عبد الرحمن لما أحس بلحوق النبي - صلى الله عليه وسلم - أراد أن يتأخر فأومأ إليه بالمضي.

وقوله: أن صلوا الصلاة لوقتها أي: لأول وقتها.




الخدمات العلمية