الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                الفصل الثاني : في حكمه .

                                                                                                                وهو عند الكافة حجة خلافا للنظام ، والشيعة ، والخوارج لقوله تعالى : ( ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ) الآية . وثبوت الوعيد على المخالفة يدل على وجوب المتابعة .

                                                                                                                وقوله عليه السلام : لا تجتمع أمتي على خطأ . يدل على ذلك .

                                                                                                                وعلى منع القول الثالث ، وعدم الفصل فيما جمعوه ، فإن جميع ما خالفهم يكون خطأ لتعيين الحق في جهتهم .

                                                                                                                وإذا اختلف أهل العصر الأول على قولين ، فلا يجوز لمن بعدهم إحداث [ ص: 115 ] قول ثالث عند الأكثرين ، وجوزه أهل الظاهر ، وفصل الإمام فخر الدين ، فقال : إن لزم منه خلاف ما أجمعوا عليه امتنع ، وإلا فلا كما قيل للجد كل المال ، وقيل يقاسم الأخ ، فالقول بجعل المال كله للأخ مناقض للأول .

                                                                                                                وإذا أجمعت الأمة على عدم الفصل بين مسألتين لا يجوز لمن بعدهم الفصل بينهما .

                                                                                                                ويجوز حصول الاتفاق بعد الاختلاف في العصر الواحد خلافا للصيرفي ، وفي العصر الثاني لنا وللشافعية والحنفية فيه قولان مبنيان على أن إجماعهم على الخلاف يقتضي أنه الحق ، فيمتنع الاتفاق ، أو هو مشروط بعدم الاتفاق ، وهو الصحيح .

                                                                                                                وانقراض العصر ليس شرطا خلافا لقوم من الفقهاء والمتكلمين لتجدد الولادة في كل يوم ، فيتعذر الإجماع .

                                                                                                                وإذا حكم بعض الأمة ، وسكت الباقون ، فعند الشافعي والإمام فخر الدين أنه ليس بحجة ، ولا إجماع ، وعند الجبائي إجماع وحجة بعد انقراض العصر ، وعند أبي هاشم ليس بإجماع ، وهو حجة ، وعند أبي علي بن أبي هبيرة إن كان القائل حاكما لم يكن إجماعا ، ولا حجة ، وإن كان غيره ، فهو إجماع ، وحجة .

                                                                                                                فإن قال بعض الصحابة قولا ، ولم يعرف له مخالف قال الإمام فخر الدين : إن كان مما تعم به البلوى ، ولم ينتشر ذلك القول فيهم ، فيحتمل أن يكون فيهم مخالف لم يظهر ، فيجري مجرى قول البعض ، وسكوت البعض . وإن كان مما لا تعم به البلوى ، فليس بإجماع ، ولا حجة ، وإذا جوزنا الإجماع السكوتي ، فكثير ممن لم يعتبر انقراض العصر في القولي اعتبره في السكوتي .

                                                                                                                والإجماع المروي بالآحاد حجة ، خلافا لأكثر الناس لأن هذه الإجماعات [ ص: 116 ] وإن لم تفد القطع ، فهي تفيد الظن ، والظن معتبر في الأحكام كالقياس ، وخبر الواحد . غير أنا لا نكفر مخالفها قاله الإمام . قال : وإذا استدل أهل العصر الأول بدليل ، وذكروا تأويلا ، واستدل العصر الثاني بدليل آخر ، وذكروا تأويلا آخر ، فلا يجوز إبطال التأويل القديم ، وأما الجديد ، فإن لزم منه إبطال القديم بطل ، وإلا فلا .

                                                                                                                وإجماع أهل المدينة عند مالك رحمه الله ، فيما طريقه التوقيف حجة خلافا للجميع .

                                                                                                                ومن الناس من اعتبر إجماع أهل الكوفة . وإجماع العترة عند الإمامية . وإجماع الخلفاء الأربعة حجة عند أبي حازم ، ولم يعتد بخلاف زيد في توريث ذوي الأرحام .

                                                                                                                قال الإمام فخر الدين : وإجماع الصحابة مع مخالفة من أدركهم من التابعين ليس بحجة خلافا لقوم .

                                                                                                                قال : ومخالفة من خالفنا في الأصول إن كفرناهم لم نعتبرهم ، ولا يثبت تكفيرهم بإجماعنا لأنه فرع تكفيرهم ، وإن لم نكفرهم اعتبرناهم .

                                                                                                                ويعتبر عند أصحاب مالك - رحمه الله - مخالفة الواحد في إبطال الإجماع خلافا لقوم .

                                                                                                                وهو مقدم على الكتاب ، والسنة ، والقياس .

                                                                                                                واختلف في تكفير مخالفه بناء على أنه قطعي ، وهو الصحيح ، ولذلك قدم على الكتاب والسنة ، وقيل ظني .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية