الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        وقال الذي اشتراه من مصر لامرأته أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا وكذلك مكنا ليوسف في الأرض ولنعلمه من تأويل الأحاديث والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون ولما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما وكذلك نجزي المحسنين

                                                                                                                                                                                                                                        قوله عز وجل: وقال الذي اشتراه من مصر وهو العزيز ملكها واسمه إظفير بن رويجب. لامرأته واسمها راعيل بنت رعاييل ، على ما ذكر ابن إسحاق. وقال ابن عباس: اسمه قطفير وكان على خزائن مصر ، وكان الملك يومئذ الوليد بن الريان من العماليق. قال مقاتل: وكان البائع له للملك مالك بن ذعر بعشرين دينارا وزاده حلة ونعلين. أكرمي مثواه فيه وجهان: أحدهما: أجملي منزلته.

                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 20 ] الثاني: أجلي منزلته ، قال كثير :


                                                                                                                                                                                                                                        أريد ثواء عندها وأظنها إذا ما أطلنا عندها المكث ملت



                                                                                                                                                                                                                                        وإكرام مثواه بطيب طعامه ولين لباسه وتوطئة مبيته. عسى أن ينفعنا قيل: في ثمنه إن بعناه. ويحتمل: ينفعنا في الخدمة والنيابة. أو نتخذه ولدا إن أعتقناه وتبنيناه. قال عبد الله بن مسعود: أحسن الناس في فراسة ثلاثة: العزيز في يوسف حين قال لامرأته أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا وابنة شعيب في موسى حين قالت لأبيها يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين [القصص: 26] وأبو بكر حين استخلف عمر. وكذلك مكنا ليوسف في الأرض فيه وجهان: أحدهما: بإخراجه من الجب.

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: باستخلاف الملك له. ولنعلمه من تأويل الأحاديث قد ذكرنا في تأويله وجهين. والله غالب على أمره فيه وجهان: أحدهما: غالب على أمر يوسف حتى يبلغ فيه ما أراده له ، قاله مقاتل.

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: غالب على أمر نفسه فيما يريده ، أن يقول له كن فيكون. قوله عز وجل: ولما بلغ أشده يعني منتهى شدته وقوة شبابه. وأما الأشد ففيه ستة أقاويل:

                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 21 ] أحدها: ببلوغ الحلم ، قاله الشعبي وربيعة وزيد بن أسلم.

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: ثماني عشرة سنة ، قاله سعيد بن جبير.

                                                                                                                                                                                                                                        الثالث: عشرون سنة ، قاله ابن عباس والضحاك.

                                                                                                                                                                                                                                        الرابع: خمس وعشرون سنة ، قاله عكرمة.

                                                                                                                                                                                                                                        الخامس: ثلاثون سنة ، قاله السدي.

                                                                                                                                                                                                                                        السادس: ثلاث وثلاثون سنة. قاله الحسن ومجاهد وقتادة. هذا أول الأشد ، وفي آخر الأشد قولان: أحدهما: أنه أربعون سنة ، قاله الحسن.

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: أنه ستون سنة ، حكاه ابن جرير الطبري ، وقال سحيم بن وثيل الرياحي


                                                                                                                                                                                                                                        أخو خمسين مجتمع أشدي     وتجذني مداورة الشؤون



                                                                                                                                                                                                                                        وفي المراد ببلوغ الأشد في يوسف قولان: أحدهما: عشرون سنة ، قاله الضحاك .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: ثلاثون سنة ، وهو قول مجاهد. آتيناه حكما وعلما في هذا الحكم الذي آتاه خمسة أوجه: أحدها: العقل ، قاله مجاهد .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: الحكم على الناس.

                                                                                                                                                                                                                                        الثالث: الحكمة في أفعاله.

                                                                                                                                                                                                                                        الرابع: القرآن ، قاله سفيان.

                                                                                                                                                                                                                                        الخامس: النبوة ، قاله السدي. وفي هذا العلم الذي آتاه وجهان: أحدهما: الفقه ، قاله مجاهد .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: النبوة ، قاله ابن أبي نجيح. ويحتمل وجها ثالثا: أنه العلم بتأويل الرؤيا.

                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 22 ] وكذلك نجزي المحسنين فيه وجهان: أحدهما: المطيعين.

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: المهتدين ، قاله ابن عباس . والفرق بين الحكيم والعالم أن الحكيم هو العامل بعلمه ، والعالم هو المقتصر على العلم دون العمل.

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية