الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              709 [ 366 ] وعن جابر قال : كان معاذ يصلي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم يأتي فيؤم قومه ، فصلى ليلة مع النبي - صلى الله عليه وسلم - العشاء ، ثم أتى قومه فأمهم - وفي رواية : فصلى بهم تلك الصلاة - فافتتح سورة البقرة ، فانحرف رجل فسلم ، ثم صلى وحده وانصرف ، فقالوا له : أنافقت يا فلان ؟ فقال : لا والله ، ولآتين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلأخبرنه ! فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله ، إنا أصحاب نواضح نعمل بالنهار ، وإن معاذا صلى معك العشاء ثم أتى فافتتح سورة البقرة ! فأقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على معاذ فقال : يا معاذ ، أفتان أنت ؟! اقرأ والشمس وضحاها ، والضحى ، والليل إذا يغشى و سبح اسم ربك الأعلى ونحو هذا .

                                                                                              رواه أحمد (3 \ 299-703)، والبخاري (701)، ومسلم (465) (178)، وأبو داود (790-703)، والنسائي (2 \ 97-98)، وابن ماجه (986) .

                                                                                              [ ص: 75 ]

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              [ ص: 75 ] (24) ومن باب : القراءة في المغرب والعشاء

                                                                                              قوله في حديث جابر " كان معاذ يصلي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم يأتي فيؤم قومه " ، [ ص: 76 ] وفي رواية " فيصلي بهم تلك الصلاة " ، تمسك الشافعي وأحمد في صلاة المفترض خلف المتنفل بهذا الحديث ، وخالفهما مالك وربيعة والكوفيون ، ورأوا أنه لا حجة لهما فيه لوجهين ;

                                                                                              أحدهما : أنه يحتمل أن يكون معاذ اعتقد في صلاته خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - الفضيلة وبصلاته لقومه الفريضة ، وليس هذا الاحتمال بأولى مما صاروا إليه ، فلحق بالمجملات ، فلا يكون فيه حجة .

                                                                                              والثاني : أن في مسند البزار عن عمرو بن يحيى المازني عن معاذ بن رفاعة عن رجل من بني سليم يقال له سلم أنه أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله ، إنا نظل في أعمالنا ، فنأتي حين نمسي ، فيأتي معاذ فيطول علينا ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا معاذ ، لا تكن فتانا ، إما أن تخفف بقومك أو تجعل صلاتك معي . وظاهر هذا يدل على أنه كان يصلي الفريضة مع قومه ، ومتمسك المانعين قوله عليه الصلاة والسلام : إنما جعل الإمام ليؤتم به ، فلا تختلفوا عليه . ولا اختلاف أعظم من اختلاف النيات ، والله تعالى أعلم .

                                                                                              وأما قطع الرجل الصلاة فلعذر صح له ، وهو أنه ضعف عن صلاة معاذ لما لحقه من شدة ألم العمل ، ولأجل ذلك أنكر النبي - صلى الله عليه وسلم - على معاذ حتى نسبه إلى [ ص: 77 ] الفتنة . ولا حجة للشافعي في هذا الحديث على جواز الخروج عن إمامة الإمام ابتداء من غير عذر ; لأن هذا كان عن عذر ، وأما صلاة هذا الرجل وحده ومعاذ في صلاته فيستدل به على جواز ذلك لعذر ، وأما لغير عذر فممنوع بدليل قوله عليه الصلاة والسلام : أصلاتان معا ؟ منكرا على من فعل ذلك .

                                                                                              وقوله " أفتان أنت يا معاذ ! " ; أي : أتفتن الناس وتصرفهم عن دينهم ؟! وقد تقدم أصل الفتنة ، ويحتمل أن يكون معناه : تعذب الناس يا معاذ بالتطويل ؟ كما قال تعالى : إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات [ البروج : 10 ] ; أي : عذبوهم - في قول المفسرين . والنواضح : الإبل التي يستقى عليها ، والله الموفق للصواب .




                                                                                              الخدمات العلمية