الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                المانع الثالث : ظهور ما يدل على الرضا بالعيب من قول أو فعل أو سكوت ، وهو التقصير عند الاطلاع ومكث من غير عذر فيبطل الرد ، والأرش إن كان البائع حاضرا ، فإن كان غائبا أشهد شاهدين بالرد ، فإن عجز حضر عند القاضي وأعلمه فيكتب للبائع إن قربت غيبته ، وإن بعدت تلوم له رجاء قدومه ، فإذا لم يرج قدومه قضى عليه إن أثبت المشتري الشراء على بيع الإسلام وعهدته ، وفي الكتاب : إذا مضى بعد اطلاعه وقت يمكنه الرد فيه ، ولكنه لا يعد رضا لقربه كاليوم ونحوه يحلف أنه لم يكن راضيا وله الرد ، وقاله ابن حنبل قياسا على القصاص ، ولا يخل به التأخير حتى يفهم الرضا ، وقال ( ش ) : بل الرد بالعيب على الفور ; لأن التراخي يدل على الرضا وهو ممنوع ، والفعل أن يتصرف في المبيع أو يستعمله بعد علمه بالعيب تصرفا واستعمالا لا يقع في العادة إلا برضا بالتمسك ، فإن تردد بين الرضا وعدمه لم يقض عليه به ; لأن الأصل بقاء حقه ، هذا هو الضابط ، ثم تذكر فروعه .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الكتاب : إذا قضي على الغائب بالعيب بيعت السلعة وأعطي المشتري الثمن بعد البينة على النقد ومقداره ، لاحتمال أن البائع لم يقبض الثمن ، وما فضل معه أو نقض رجع به المبتاع على البائع ، قال اللخمي : أرى إذا كانت [ ص: 104 ] العادة البيع على البراءة لم يحكم له بالرد إلا أن يثبت أنه اشتراه على العهدة ، وإلا فالأصل العهدة ، ويستظهر باليمين ، ولا يكلف البينة على نقد الثمن حيث يصدق ، وإذا أنكر البائع بأن تكون العادة النقد ، أو طال الزمان قبل سفر البائع ، أو كان المشتري غريما وليس للمشتري الرد على تابع البائع ; لأن التابع الغائب قد يرضى بالعيب إلا أن يكون الغائب معدما ; لأنه لو حضر منع من الرضا إذا كانت السلعة لا توفي الثمن كبيع المدبر من التبرع ، ولو استحقت كان له القيام على الأول بخلاف العيب ; لأنه لا يؤثر فيه الرضا لبطلان العقد في أصله ، قال ابن يونس : قال بعض القرويين : إنما تلزم البينة على بيع الإسلام وعهدته إذا امتنع من الحلف ، وإلا صدق مع يمينه ; لأن بيع الإسلام هو الغالب ، وإذا أشهد على العيب ثم باعه فليس له مطالبته إذا قدم إلا أن يقضي به السلطان ; لأن البيع رضا ، قال محمد : إلا أن يكون في بلد لا سلطان فيه أو سلطان لا يقضي على الغائب فله الرجوع بعد الإشهاد ويتبعه ببقية الثمن ، فإن وجد العيب بعد السفر بالدابة في السفر ، فروى ابن القاسم عن مالك : له ردها ; لأنه كالمكره بالسفر ، وليس عليه في ركونها شيء وتركها بقية السفر ، فإن وصلت بحالها ردها ، أو عجفت نقصها ، أو يحبسها ويأخذ قيمة العيب ; لأن الاضطرار مبيح مال الغير والسفر ضرورة ، وروى أشهب : إن حمل عليها بعد علمه لزمته ، وإن سافر لغرض عليه في ردها مؤنة أو بثوب فلبسه ، فليقم البينة على بيع الإسلام وعهدته ، وعدم البراءة يبيعه الإمام على البائع ، فإن لم يجد ثلثه فليس له إلا الرضا به أو الرد إلى بلد البائع ، وله استخدام العبد دون وطء الأمة ; لأن الوطء يعتمد الملك المقرر ، وهذا بصدد النقص ، وللحاضر استخدام الأمة والعبد ، ويركب الدابة بعد قيامه إلى القضاء بالرد ; لأن عليه [ ص: 105 ] النفقة ، وفي الجواهر : المشهور في العبد والدابة ترك الاستعمال ، وأباحه ابن حبيب قياسا على العقار ، وعلى المشهور : ينزل عن الدابة إن كان راكبا إلا أن يتعذر عليه القود فيعذر بالركوب إلى مصادقة الخصم أو القاضي ، وأما الاستعمال المنقص فيمنع كلبس الثوب .

                                                                                                                المانع الرابع : ذهاب العيب قبل القيام ، ففي الجواهر : يسقط القيام إلا أن يبقى علقة ، كالطلاق في الزوجين ، وكذلك كل ما لا يؤمن عوده ، اتفق مالك وأصحابه على الطلاق ، واختلفوا في الموت ، فقال مالك : كالطلاق لبقاء العدة ، وقد يكون منه ولد لا يعلم ، وقال ابن حبيب : ليس بعيب للناس ، وإن ذهب العيب قبل القيام فلا رد أو بعد العلم فقال ابن القاسم : لا رد ، وقال أشهب : له الرد ، وإن ذهب قبل الشراء فلا رد إلا إن لم تؤمن عودته كخدام أحد الأبوين أو الأجداد ، قال ابن القاسم : إذا اشتراها في عدة طلاق فلم يردها حتى انقضت عدتها فلا رد ، قال : وكذلك أرى إذا اشتراها بعد حيضة ; لأنه دخل على أنها توقف حتى تحيض فلا مضرة إلا أن تكون من الوخش ; لأنها تشترى على أنها تقبض بالحضرة ، ويحمل قوله على أنه علم لها زوجا طلقها لكن يعتقد انقضاء العدة ، فلو جهل الزوج كان له الرد وإن انقضت العدة ، وتزويج العبد بغير إذن سيده عيب ، فإن فسخه السيد قبل الدخول أو طلق العبد ; لأن تعديه في ذلك يشينه ، وإن تزوج بإذن سيده ثم طلق قبل الدخول لم يرد إلا أن يكون العبد تخلق على سيده حتى زوجه ، والدين عيب إلا أن يقضيه السيد ، قال سحنون : إلا أن يستدين في سعة ، فإن ذلك خلق يبقى ، قال : وأرى إن كانت المداينة بغير إذن سيده أن يرد بعد الإسقاط للجرأة على ذلك ، وإسقاط الجناية الخطأ يسقط الرد بخلاف العمد ، وإذا حدثت الحمى في عهدة الثلاث وذهبت قال ابن القاسم : لا رد ، وقال أشهب : يرد ; لاحتمال بقاء سببها ، قال : وأرى أن يستأنى به ، فإن استمر بدونه لم يرد ، والضابط : أم العيب إن كان الغالب عوده ، أو أشكل أمره رد استصحابا [ ص: 106 ] للحالة السابقة .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال اللخمي : إذا أخبر البائع بالطلاق عند العقد برئ ، ولا يطأها المشتري ولا يزوجها حتى تشهد البينة على الطلاق أو الوفاة ; لثبوت أصل الزواج إذا لم تكن طارئة أو قدمت من موضع قريب يقدر على استعلام ذلك منه ، وإن كان بعيدا حلت للسيد والزوج .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الكتاب : إذا انقطع البول في الفراش له الرد إذ لا يؤمن عوده .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية