الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
[ هل للمفتي أن يفتي بغير مذهب إمامه ؟ ] الفائدة التاسعة والأربعون : ( هل للمنتسب إلى تقليد إمام معين أن يفتي بقول غيره ) ؟ لا يخلو الحال من أمرين : إما أن يسأل عن مذهب ذلك الإمام فقط فيقال له : ما مذهب الشافعي مثلا في كذا وكذا ؟ أو يسأل عن حكم الله الذي أداه إليه اجتهاده ; فإن سئل عن مذهب ذلك الإمام لم يكن له أن يخبره بغيره إلا على وجه الإضافة إليه ، وإن سئل عن حكم الله من غير أن يقصد السائل قول فقيه معين ; فههنا يجب عليه الإفتاء بما هو راجح عنده وأقرب إلى الكتاب والسنة من مذهب إمامه أو مذهب من خالفه ، لا يسعه غير ذلك ، فإن لم [ ص: 182 ] يتمكن منه وخاف أن يؤدي إلى ترك الإفتاء في تلك المسألة لم يكن له أن يفتي بما لا يعلم أنه صواب ; فكيف بما يغلب على ظنه أن الصواب في خلافه ؟ ولا يسع الحاكم والمفتي غير هذا ألبتة ; فإن الله سائلهما عن رسوله وما جاء به ، لا عن الإمام المعين وما قاله ، وإنما يسأل الناس في قبورهم ويوم معادهم عن الرسول صلى الله عليه وسلم ; فيقال له في قبره : ما كنت تقول في هذا الرجل الذي بعث فيكم ؟ { ويوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين } ولا يسأل أحد قط عن إمام ولا شيخ ولا متبوع غيره ، بل يسأل عمن اتبعه وائتم به غيره ، فلينظر بماذا يجيب ؟ وليعد للجواب صوابا .

وقد سمعت شيخنا رحمه الله يقول : جاءني بعض الفقهاء من الحنفية فقال : أستشيرك في أمر ، قلت : ما هو ؟ قال : أريد أن أنتقل عن مذهبي ، قلت له : ولم ؟ قال : لأني أرى الأحاديث الصحيحة كثيرا تخالفه ، واستشرت في هذا بعض أئمة أصحاب الشافعي فقال لي : لو رجعت عن مذهبك لم يرتفع ذلك من المذهب ، وقد تقررت المذاهب ، ورجوعك غير مفيد ، وأشار علي بعض مشايخ التصوف بالافتقار إلى الله والتضرع إليه وسؤال الهداية لما يحبه ويرضاه ، فماذا تشير به أنت علي ؟ قال : فقلت له : اجعل المذهب ثلاثة أقسام ، قسم الحق فيه ظاهر بين موافق للكتاب والسنة فاقض به وأفت به طيب النفس منشرح الصدر ، وقسم مرجوح ومخالفه معه الدليل فلا تفت به ولا تحكم به وادفعه عنك ، وقسم من مسائل الاجتهاد التي الأدلة فيها متجاذبة ; فإن شئت أن تفتي به وإن شئت أن تدفعه عنك ، فقال : جزاك الله خيرا ، أو كما قال .

وقالت طائفة أخرى - منهم أبو عمرو بن الصلاح ، وأبو عبد الله بن حمدان - : من وجد حديثا يخالف مذهبه فإن كملت آلة الاجتهاد فيه مطلقا أو في مذهب إمامه أو في ذلك النوع أو في تلك المسألة فالعمل بذلك الحديث أولى ، وإن لم تكمل آلته ووجد في قلبه حزازة من مخالفة الحديث بعد أن بحث فلم يجد لمخالفته عنده جوابا شافيا فلينظر : هل عمل بذلك الحديث إمام مستقل أم لا ؟ فإن وجده فله أن يتمذهب بمذهبه في العمل بذلك الحديث ، ويكون ذلك عذرا له في ترك مذهب إمامه في ذلك ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية