الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فيه قولان .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدهما: إني أريد أن ترجع بإثم قتلي وإثمك الذي في عنقك ، هذا قول ابن مسعود ، وابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة ، والضحاك .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: أن تبوء بإثمي في خطاياي ، وإثمك في قتلك لي ، وهو مروي عن مجاهد أيضا . قال ابن جرير: والصحيح عن مجاهد القول الأول . وقد روى [ ص: 336 ] البخاري ، ومسلم في "صحيحيهما" من حديث ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا تقتل نفس ظلما إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها ، لأنه كان أول من سن القتل" فإن قيل: كيف أراد هابيل وهو من المؤمنين أن يبوء قابيل بالإثم وهو معصية ، والمؤمن يحب لأخيه ما يحب لنفسه؟ فعنه ثلاثة أجوبة .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدها: أنه ما أراد لأخيه الخطيئة ، وإنما أراد: إن قتلتني أردت أن تبوء بالإثم ، وإلى هذا المعنى ذهب الزجاج .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: أن في الكلام محذوفا ، تقديره: إني أريد أن لا تبوء بإثمي وإثمك ، فحذف "لا" كقوله: وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم [لقمان: 10] أي: أن لا تميد بكم ، ومنه قول امرئ القيس:


                                                                                                                                                                                                                                      فقلت يمين الله أبرح قاعدا ولو قطعوا رأسي لديك وأوصالي



                                                                                                                                                                                                                                      أراد: لا أبرح . وهذا مذهب ثعلب .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 337 ] والثالث: أن المعنى: أريد زوال أن تبوء بإثمي وإثمك ، وبطلان أن تبوء بإثمي وإثمك ، فحذف ذلك ، وقامت "أن" مقامه ، كقوله: وأشربوا في قلوبهم العجل [البقرة: 93] أي: حب العجل ، ذكره والذي قبله ابن الأنباري .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: وذلك جزاء الظالمين الإشارة إلى مصاحبة النار .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية