الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      [ عموم الجمع المؤنث الذكور ، والجمع المذكر الإناث ]

                                                      القسم الرابع : لفظ يستعمل فيهما بعلامة التأنيث في المؤنث ، وبحذفها في المذكر ، كجمع المذكر السالم نحو المسلمين ، وكذلك ضمير الجمع ، نحو : قالوا ، كما قاله القفال الشاشي في كتابه ، وهذا هو محل الخلاف ، والذي ذهب إليه الشافعي وأصحابه والجمهور أنه لا يدخل النساء فيه إلا بدليل ، كما لا يدخل الرجال في لفظ المؤنث إلا بدليل وممن نسبه للشافعي القفال الشاشي ، وأبو الحسين بن القطان ، وأبو حامد الإسفراييني ، والماوردي في " الحاوي " في الأقضية ، والروياني في " البحر " في " كتاب السير " ، وابن القشيري ، وأخذوا ذلك من قوله : لا جهاد على النساء ، لأن الله تعالى لما قال : { جاهدوا } وقال : { حرض المؤمنين على القتال } دل على أنه أراد بذلك الذكور دون الإناث ، لأن الإناث المؤمنات .

                                                      قال القفال : وأصل هذا أن الأسماء وضعت للدلالة على المسمى ، فخص كل نوع بما يميزه ، فالألف والتاء جعلت علما لجمع الإناث ، والواو والياء [ ص: 244 ] والنون لجمع الذكور ، فالمؤمنات غير المؤمنين ، وقاتلوا خلاف " قاتلن " ثم قد تقوم قرائن تقتضي استواءهما فيعلم بذلك دخول الإناث في الذكور ، وقد لا تقوم فيلحقن بالذكور بالاعتبار والدلائل ، كما يلحق المسكوت عنه بالمذكور بدليل .

                                                      ومما يدل على هذا إجماع أهل اللغة على أنه إذا اجتمع المذكر والمؤنث غلب المذكر ، فلولا أن التسمية للمذكر لم يكن هو الغالب ، ولم يكن حظه منها كحظ المؤنث ، ولكن معناه أنهما إذا اجتمعا استقل أفراد كل منهما بوصف ، فغلب المذكر وجعل الحكم له ، فدل على أن المقصود هم الرجال ، والنساء توابع . انتهى .

                                                      وقال الأستاذ أبو منصور وسليم في " التقريب " : وهذا قول أصحابنا ، واختاره القاضي أبو الطيب في " الكفاية " وابن السمعاني في " القواطع " ، وإلكيا الهراسي ، ونصره ابن برهان في " الوجيز " ، والشيخ أبو إسحاق في " التبصرة " ونقله في " الأوسط " عن معظم الفقهاء ، ونقله ابن القشيري عن معظم أهل اللغة .

                                                      وقال القاضي إنه الصحيح ، قال : ولست أحفظ عن متقدمي أصحابنا شيئا غير أن ظاهر مذاهبهم الدخول .

                                                      وذهب الحنفية كما قاله سليم ، وابن السمعاني ، وابن الساعاتي ، قلت : منهم شمس الأئمة السرخسي ، وصاحب " اللباب " ، وغيرهم ، إلى أنه يتناول الذكور والإناث وحكاه القاضي أبو الطيب عن أبي حنيفة ، وحكاه الباجي عن ابن خويز منداد ، ونسب للحنابلة والظاهرية [ ص: 245 ]

                                                      ويدل لهذا المذهب قوله عليه السلام : { سبق المفردون ، هم الذاكرون الله كثيرا والذاكرات } فلولا دخولها فيه لم يحسن التفسير بذلك .

                                                      رأى إمام الحرمين اندراج النساء تحت لفظ المسلمين بقضية التغليب ، لا بأصل الوضع ، إذ اللفظ لم يوضع لهن ، وهذا ما حكاه صاحب المصادر عن أهل العربية .

                                                      وقال الإبياري : لا خلاف بين الأصوليين والنحاة أن جمع المذكر لا يتناول المؤنث بحال ، وإنما ذهب بعض الأصوليين إلى تناوله الجنسين ، لأنه لما كثر اشتراك الذكور والإناث في الأحكام لم تقصر الأحكام على الذكور قال : وإذا حكمنا بتناول اللفظ لهما فهل تقول : اجتمع في اللفظ موجب الحقيقة والمجاز ؟ أو يكون جميعا مجازا صرفا ؟ فيه خلاف ، وقياس مذهب القاضي أن يكون مجازا صرفا ، وقياس قول الإمام أنه اجتمع فيه موجب الحقيقة والمجاز . انتهى . وحاصلة الإجماع على عدم الدخول لغة حقيقة ، وإنما النزاع في ظهوره لاشتهاره عرفا وغيره أطلق الخلاف ، وجعل القاضي عبد الوهاب محله ما إذا ورد الجمع مجردا ، أما لو ذكرن مع الرجال مثل أن يقول : يا أيها الرجال والنساء من شهد منكم الشهر فليصمه ، فلا خلاف في دخولهن في الخطاب ، وهو قضية كلام ابن الحاجب ، فإنه وافق على الدخول فيما إذا أوصى لرجال ونساء بشيء ، ثم قال : أوصيت لكم بكذا ، فإنه يدخل النساء اتفاقا بقرينة الإيصاء الأول .

                                                      قال الهندي : وكلام إمام الحرمين يشعر بتخصيص الخلاف بالخطابات [ ص: 246 ] الواردة من الشرع لقرينة عليه ، وهي المشاركات في الأحكام الشرعية ، قال : واتفق الكل على أن المذكر لا يدخل تحته إن ورد مقترنا بعلامة التأنيث ، ومن أقوى ما احتج به المعممون إجماع أهل اللغة على أنه إذا اجتمع المذكر والمؤنث غلب المذكر ، وعلى هذا ورد قوله تعالى : { اهبطوا منها جميعا } في خطاب آدم وحواء وإبليس .

                                                      قال الماوردي : هذا منشأ الخلاف ، وأجيب عنه بأنه لا يلزم من صحة إرادة الشيء من الشيء إرادته منه إذا ورد مطلقا من غير قرينة ، كيف والواقع من أئمة العربية إنما هو تغليب الخطاب للذكور والإناث إذا اجتمعوا ، وأنه يغلب جانب التذكير ، ولم يذكروا أن اللفظة عند إطلاقها موضوعة لتناول الجميع . تنبيهات

                                                      الأول : موضع الخلاف في الخلاف غير الشفاهي وقيام القرينة على الدخول والخروج ، أما الخطاب الشفاهي كقوله : أعطوا هؤلاء الكفار وهم رجال ونساء دخلن قطعا ، ولم يختلف المفسرون في قوله تعالى : { اهبطوا منها جميعا } أنه يتناول حواء . وأما القرينة المخرجة ، فكقوله تعالى : { فاقتلوا المشركين } فقد خصه عليه السلام بغير النساء ، لنهيه عن قتل النساء ، وأما القرينة المدخلة فكقوله : { أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم } ، فإن المعنى في استيفاء الحد الملك ، وهو شامل للرجل والمرأة ، ولهذا أقامت عائشة الحد على أمة لها . [ ص: 247 ] ويخرج من هذا أن المسألة أربعة أقسام : ما يدخلن قطعا ، وما لا يدخلن قطعا ، وما يدخلن على الأصح ، وما لا يدخلن على الأصح .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية