الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فصل إخباره صلى الله عليه وسلم عن الحجاج فتى ثقيف

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد ثبت في " الصحيحين " عن أبي هريرة ، وعند مسلم عن جابر بن سمرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : إن بين يدي الساعة ثلاثين كذابا دجالا ، كلهم يزعم أنه نبي

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال البيهقي ، عن الماليني ، عن ابن عدي ، عن أبي يعلى الموصلي ، حدثنا عثمان بن أبي شيبة ، ثنا محمد بن الحسن الأسدي ، ثنا شريك ، عن أبي [ ص: 251 ] إسحاق ، عن عبد الله بن الزبير قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون كذابا ، منهم; مسيلمة ، والعنسي ، والمختار ، وشر قبائل العرب بنو أمية وبنو حنيفة وثقيف . قال ابن عدي : محمد بن الحسن له إفرادات ، وقد حدث عنه الثقات ، ولم أر بحديثه بأسا .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال البيهقي : لحديثه في المختار شواهد صحيحة . ثم أورد من طريق أبي داود الطيالسي ، حدثنا الأسود بن شيبان ، عن أبي نوفل بن أبي عقرب ، عن أسماء بنت أبي بكر ، أنها قالت للحجاج بن يوسف : أما إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا أن في ثقيف كذابا ومبيرا ، فأما الكذاب فقد رأيناه ، وأما المبير فلا إخالك إلا إياه . قال : ورواه مسلم من حديث الأسود بن شيبان . وله طرق عن أسماء وألفاظ سيأتي إيرادها في موضعه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال البيهقي : أنا الحاكم وأبو سعيد ، عن الأصم ، عن عباس الدوري ، عن عبد الله بن الزبير الحميدي ، ثنا سفيان بن عيينة ، عن أبي المحياة ، عن أبيه قال : لما قتل الحجاج عبد الله بن الزبير دخل الحجاج على أسماء بنت أبي [ ص: 252 ] بكر فقال : يا أمه ، إن أمير المؤمنين أوصاني بك ، فهل لك من حاجة؟ فقالت : لست لك بأم ، ولكني أم المصلوب على رأس الثنية ، وما لي من حاجة ، ولكن انتظر حتى أحدثك بما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقول : " يخرج من ثقيف كذاب ومبير فأما الكذاب فقد رأيناه ، وأما المبير فأنت . فقال الحجاج : مبير المنافقين .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال أبو داود الطيالسي : حدثنا شريك ، عن أبي علوان عبد الله بن عصمة ، عن ابن عمر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن في ثقيف كذابا ومبيرا " . وقد تواتر خبر المختار بن أبي عبيد الكذاب الذي كان نائبا على العراق وكان يزعم أنه نبي ، وأن جبريل كان يأتيه بالوحي ، وقد قيل لابن عمر ، وكان زوج أخت المختار صفية : إن المختار يزعم أن الوحي يأتيه . فقال : صدق ، قال الله تعالى : وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم [ الأنعام : 121 ]

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال أبو داود الطيالسي : ثنا قرة بن خالد ، عن عبد الملك بن عمير ، عن رفاعة بن شداد قال : كنت أبطن شيء بالمختار الكذاب . قال : فدخلت عليه ذات يوم فقال : دخلت وقد قام جبريل قبل من هذا الكرسي . قال : فأهويت إلى قائم السيف - يعني لأضربه - حتى ذكرت حديثا حدثنيه عمرو بن الحمق الخزاعي ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا أمن الرجل الرجل على دمه ثم قتله ، رفع [ ص: 253 ] له لواء الغدر يوم القيامة " . فكففت عنه وقد رواه أسباط بن نصر وزائدة والثوري ، عن إسماعيل السدي ، عن رفاعة بن شداد الفتياني فذكر نحوه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال يعقوب بن سفيان ، ثنا أبو بكر الحميدي ، ثنا سفيان بن عيينة ، عن مجالد ، عن الشعبي قال : فأخرت أهل البصرة فغلبتهم بأهل الكوفة ، والأحنف ساكت لا يتكلم ، فلما رآني غلبتهم أرسل غلاما له فجاء بكتاب فقال : هاك اقرأ فقرأته فإذا فيه من المختار إليه ، يذكر أنه نبي . قال : يقول الأحنف : أنى فينا مثل هذا؟! .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وأما الحجاج بن يوسف فقد تقدم الحديث أنه الغلام المبير الثقفي ، وسنذكر ترجمته إذا انتهينا إلى أيامه ، فإنه كان نائبا على العراق لعبد الملك بن مروان ، ثم لابنه الوليد بن عبد الملك ، ، وكان من جبابرة الملوك ، على ما كان فيه من الكرم والفصاحة ، على ما سنذكره .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد قال البيهقي : ثنا الحاكم عن أبي نصر الفقيه ، ثنا عثمان بن سعيد الدارمي قال عبد الله بن صالح المصري ، أن معاوية بن صالح حدثه ، عن [ ص: 254 ] شريح بن عبيد ، عن أبي عذبة قال : جاء رجل إلى عمر بن الخطاب فأخبره أن أهل العراق قد حصبوا أميرهم ، فخرج غضبان ، فصلى لنا الصلاة فسها فيها حتى جعل الناس يقولون : سبحان الله ، سبحان الله . فلما سلم أقبل على الناس فقال : من هاهنا من أهل الشام؟ فقام رجل ، ثم قام آخر ، ثم قمت أنا ثالثا أو رابعا ، فقال : يا أهل الشام استعدوا لأهل العراق ، فإن الشيطان قد باض فيهم وفرخ ، اللهم إنهم قد لبسوا علي فألبس عليهم ، وعجل عليهم بالغلام الثقفي يحكم فيهم بحكم أهل الجاهلية ، لا يقبل من محسنهم ، ولا يتجاوز عن مسيئهم قال عبد الله : وحدثني ابن لهيعة بمثله . قال : وما ولد الحجاج يومئذ . ورواه الدارمي أيضا عن أبي اليمان ، عن جرير بن عثمان ، عن عبد الرحمن بن ميسرة ، عن أبي عذبة الحمصي ، عن عمر فذكر مثله . قال أبو اليمان : علم عمر أن الحجاج خارج لا محالة ، فلما أغضبوه استعجل لهم العقوبة . قلت : فإن كان هذا نقله عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد تقدم له شاهد عن غيره ، وإن كان عن تحديث فكرامة الولي معجزة لنبيه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال عبد الرزاق : أنا جعفر ، يعني ابن سليمان ، عن مالك بن دينار ، عن الحسن قال : قال علي لأهل الكوفة : اللهم كما ائتمنتهم فخانوني ، ونصحت لهم فغشوني ، فسلط عليهم فتى ثقيف الذيال الميال ، يأكل خضرتها ، ويلبس [ ص: 255 ] فروتها ، ويحكم فيهم بحكم الجاهلية . قال : يقول الحسن : وما خلق الحجاج يومئذ . وهذا منقطع .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد رواه البيهقي أيضا ، من حديث معتمر بن سليمان عن أبيه ، عن أيوب عن مالك بن أوس بن الحدثان ، عن علي بن أبي طالب أنه قال : الشاب الذيال أمير المصرين ، يلبس فروتها ، ويأكل خضرتها ، ويقتل أشراف أهلها ، يشتد منه الفرق ويكثر منه الأرق ، ويسلطه الله على شيعته .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وله من حديث يزيد بن هارون ، أنا العوام بن حوشب ، حدثني حبيب بن أبي ثابت قال : قال علي لرجل : لا مت حتى تدرك فتى ثقيف . فقيل : يا أمير المؤمنين ، وما فتى ثقيف؟ فقال : ليقالن له يوم القيامة : اكفنا زاوية من زوايا جهنم . رجل يملك عشرين سنة أو بضعا وعشرين سنة ، لا يدع لله معصية إلا ارتكبها ، حتى لو لم يبق إلا معصية واحدة وكان بينه وبينها باب مغلق لكسره حتى يرتكبها ، يقتل بمن أطاعه من عصاه . وهذا معضل ، وفي صحته عن علي نظر . والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 256 ] وقال البيهقي ، عن الحاكم ، عن الحسين بن الحسن بن أيوب ، عن أبي حاتم الرازي ، عن عبد الله بن يوسف التنيسي ، ثنا هشام بن يحيى الغساني قال : قال عمر بن عبد العزيز : لو جاءت كل أمة بخبيثها ، وجئناهم بالحجاج لغلبناهم . وقال أبو بكر بن عياش ، عن عاصم بن أبي النجود : ما بقيت لله حرمة إلا وقد ارتكبها الحجاج . وقال عبد الرزاق ، عن معمر ، عن ابن طاوس أن أباه لما تحقق موت الحجاج تلا قوله تعالى : فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين [ الأنعام : 45 ] قلت : وقد توفي الحجاج سنة خمس وتسعين .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية