الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان

                                                                                                                                                                                                إذ يوحي : يجوز أن يكون بدلا ثالثا من : وإذ يعدكم ، وأن ينتصب بيثبت أني معكم : مفعول يوحي ، وقرئ : "إني" ، بالكسر على إرادة القول ، أو على إجراء يوحي مجرى يقول ; كقوله : أني ممدكم ، والمعنى : أني معينكم على التثبيت فثبتوهم ، وقوله : سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا : يجوز أن يكون تفسيرا لقوله : أني معكم فثبتوا ، ولا معونة أعظم من إلقاء الرعب في قلوب الكفرة ، ولا تثبيت أبلغ من ضرب أعناقهم ، واجتماعهما غاية النصرة ، ويجوز أن يكون غير تفسير ، وأن يراد بالتثبيت أن يخطر ببالهم ما تقوى به قلوبهم ، وتصح عزائمهم ، ونياتهم في القتال ، وأن يظهروا ما يتيقنون به أنهم ممدون بالملائكة ، وقيل : كان الملك يتشبه بالرجل الذي يعرفون وجهه فيأتي فيقول : إني سمعت المشركين يقولون : والله ، لئن حملوا علينا لننكشفن ، ويمشي بين الصفين فيقول : أبشروا ; فإن الله ناصركم ; لأنكم تعبدونه . وهؤلاء لا يعبدونه ، وقرئ : "الرعب" : بالتثقيل فوق الأعناق : أراد أعالي الأعناق التي هي المذابح ; لأنها مفاصل ، فكان إيقاع الضرب فيها حزا وتطييرا للرؤس ، وقيل : أراد الرؤس ; لأنها فوق الأعناق ، يعني : ضرب الهام ، قال : [من الوافر]


                                                                                                                                                                                                وأضرب هامة البطل المشيح



                                                                                                                                                                                                [ومن البسيط] :


                                                                                                                                                                                                غشيته وهو في جأواء باسلة     عضبا أصاب سواء الرأس فانفلقا



                                                                                                                                                                                                [ ص: 563 ] والبنان : الأصابع ، يريد الأطراف ، والمعنى : فاضربوا المقاتل والشوي ; لأن الضرب إما واقع على مقتل أو غير مقتل ، فأمرهم بأن يجمعوا عليهم النوعين معا ، ويجوز أن يكون قوله : "سألقي" ، إلى قوله : "كل بنان " عقيب قوله : فثبتوا الذين آمنوا تلقينا للملائكة ما يثبتونهم به ، كأنه قال : قولوا لهم قولي : سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب ، أو كأنهم قالوا : كيف نثبتهم؟ فقيل : قولوا لهم قولي : "سألقي" ، فالضاربون على هذا هم المؤمنون .

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية