الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                [ ص: 555 ] الثاني عشر : القول بالموجب ، وهو : تسليم الدليل مع منع المدلول ، أو تسليم مقتضى الدليل مع دعوى بقاء الخلاف ، وهو آخر الأسئلة ، وينقطع المعترض بفساده ، والمستدل بتوجيهه ، إذ بعد تسليم العلة والحكم لا يجوز له النزاع فيهما .

                التالي السابق


                " الثاني عشر : القول بالموجب " . بفتح الجيم ، أي : القول بما أوجبه دليل المستدل ، أما الموجب بكسرها ، فهو الدليل المقتضي للحكم .

                قوله : " وهو " - يعني القول بالموجب - " تسليم الدليل مع منع المدلول ، أو تسليم مقتضى الدليل مع دعوى بقاء الخلاف " .

                هذا على جهة التخيير في تعريفه ، أي : بأي هذين التعريفين عرف حصل المعنى المقصود منه ، لكن التعريف الثاني أحق ، لأن تسليم الخصم إنما هو لمقتضى الدليل وموجبه ، لا لنفس الدليل ، إذ الدليل ليس مرادا لذاته ، بل لكونه وسيلة إلى معرفة المدلول .

                ومثال ذلك : ما إذا قال الشافعي فيمن أتى حدا خارج الحرم ، ثم لجأ إلى الحرم : يستوفى منه الحد ، لأنه وجد سبب جواز الاستيفاء منه ، فكان جائزا ، فيقول الحنبلي أو الحنفي : أنا قائل بموجب دليلك ، وأن استيفاء الحد جائز ، وإنما أنازع في جواز هتك حرمة الحرم ، وليس في دليلك ما يقتضي جوازه ، فهذا قد سلم للمستدل مقتضى دليله وهو جواز استيفاء الحد ، وادعى بقاء الخلاف في شيء آخر وهو هتك حرمة الحرم .

                [ ص: 556 ] قوله : " وهو " - يعني القول بالموجب - " آخر الأسئلة " الواردة على القياس على ما يقتضيه ترتيبها ، " وينقطع المعترض بفساده والمستدل بتوجيهه " . أي : إذا فسد القول بالموجب ، انقطع المعترض ، إذ بفساده يثبت دليل المستدل على محل النزاع سالما عن معارض ، وإذا صح القول بالموجب وتوجه على المستدل صحيحا ، انقطع لأن به تبين أن دليله لم يتناول محل النزاع ، كما لو استدل على وجوب الزكاة في بعض صور النزاع فيها بسورة الإخلاص ؛ قيل له : سلمنا دلالتها على التوحيد لكن لا دلالة فيها على وجوب الزكاة ، فتبقى دعواه خالية عن دليل ، فتبطل ، فينقطع لقوله تعالى : قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين [ البقرة : 111 ] .

                قوله : " إذ بعد تسليم العلة والحكم لا يجوز له النزاع فيهما " .

                هذا استدلال على الأمور الثلاثة المتقدمة ، وهي أن القول بالموجب آخر الأسئلة ، وأن المعترض ينقطع بفساده ، وأن المستدل ينقطع بتوجيهه ، لأن في القول بموجب الدليل تسليم علته وحكمه ، وبعد تسليم العلة والحكم لا يجوز النزاع فيهما ، فيكون آخر الأسئلة . ثم إن استقر ، انقطع المستدل ، وإن أجاب عنه بنحو ما ذكر بعد ، انقطع المعترض ، كما سيأتي إن شاء الله تعالى .




                الخدمات العلمية