الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما تم ذلك موضحا لأن من لم يتبع الكتاب الموصوف؛ كان كافرا؛ وعن الطريق الأمم جائرا حائرا؛ وكان محصل حال اليهود - كما رأيت فيما تقدم؛ ويأتي من نصوص التوراة - أنهم لا يعتقدون؛ على كثرة ما يرون من الآيات؛ أن الله مع نبيهم دائما؛ وكان أنسب الأشياء بعد الوعظ أن يذكر حال النصارى في نبيهم؛ فإنه مباين لحال اليهود؛ من كل وجه؛ فأولئك على شك في أنه معه؛ وهؤلاء اعتقدوا أنه هو؛ فقال (تعالى) - مبينا أنهم في أظلم الظلام؛ وأعمى العمى -: " لقد " ؛ أو يقال: إن اليهود لما فرطوا فكفروا؛ أفهم ذلك أن النصارى لما أفرطوا كفروا؛ فصار حالهم كالنتيجة لما مضى؛ فقال: لقد كفر الذين قالوا ؛ مؤكدين لبعد ما قالوه من العقل؛ فهو في غاية الإنكار؛ إن الله ؛ أي: على ما له من جميع صفات الكمال؛ التي لا يجهلها من له أدنى تأمل؛ إذا ترجى الهدى؛ وانخلع من أسر الهوى؛ هو المسيح ؛ أي: عينه؛ وهو أقطع الكفر؛ وأبينه بطلانا؛ ووصفه بما هو في غاية الوضوح في بطلان قولهم؛ لبعده عن رتبة الألوهية؛ في الحاجة إلى امرأة؛ فقال: ابن مريم ؛ فهو محتاج إلى كفالتها؛ بما لها من الأمومة.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما بطل مدعاهم على أتقن منهاج؛ وأخصره؛ وكان بما دق [ ص: 65 ] على بعض الأفهام؛ أوضحه بقوله: قل ؛ دالا على أن المسيح - عليه السلام - عبد مملوك لله؛ مسببا عن كفرهم؛ فمن يملك من الله ؛ أي: الملك الذي له الأمر كله؛ شيئا ؛ أي: من الأشياء التي يتوهم أنها قد تمنعه مما يريد؛ بحيث يصير ذلك المملوك أحق به منه؛ ولا ينفذ له فيه تصرف؛ إن أراد ؛ أي: الله - سبحانه -؛ أن يهلك المسيح ؛ وكرر وصفه بالبنوة؛ إيضاحا للمراد؛ فقال: ابن مريم ؛ وأزال الشبهة جدا بقوله: وأمه ؛ ولما خصهما دليلا على ضعفهما المستلزم للمراد؛ عم دلالة على عموم القدرة؛ المستلزم لتمام القهر لكل من يماثلهما؛ المستلزم لعجز الكل؛ المبعد من رتبة الإلهية؛ فقال - موضحا للدليل بتسويتهما ببقية المخلوقات -: ومن في الأرض جميعا ؛ أي: فمن يملك منعه من ذلك.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان التقدير: "فإن ذلك كله لله؛ يهلكه كيف شاء؛ متى شاء"؛ عطف عليه ما هو أعم منه؛ فقال - معلما بأنه؛ مع كونه مالكا ملكا؛ له تمام التصرف -: ولله ؛ أي: الملك الأعلى؛ الذي لا شريك له؛ ملك السماوات ؛ أي: التي بها قيام الأرض؛ والأرض وما بينهما ؛ أي: ما بين النوعين وبين أفرادهما؛ بما به تمام أمرهما; ثم استأنف قوله - دليلا على ما قبله؛ ونتيجة له -: يخلق ما يشاء ؛ على أي كيفية أراد - [ ص: 66 ] كما تقدم أن له أن يعدم ما يشاء كذلك -؛ فلا عجب في خلقه بشرا من أنثى فقط؛ لا بواسطة ذكر؛ حتى يكون سببا في ضلال من ضل به؛ ولما دل ذلك على تمام القدرة على المذكور عم فقال: والله ؛ أي: ذو الجلال والإكرام؛ على كل شيء ؛ أي: من ذلك؛ وغيره؛ قدير

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية