الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  1556 224 - حدثنا محمد هو ابن سلام قال: أخبرنا الفزاري، عن عاصم، عن الشعبي: أن ابن عباس رضي الله عنهما حدثه قال: سقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم من زمزم فشرب وهو قائم، قال عاصم: فحلف عكرمة ما كان يومئذ إلا على بعير.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة من حيث إن فيه ذكر زمزم.

                                                                                                                                                                                  (ذكر رجاله): وهم ستة:

                                                                                                                                                                                  الأول: محمد بن سلام بن الفرج أبو عبد الله البيكندي.

                                                                                                                                                                                  الثاني: الفزاري بكسر الفاء بعدها الزاي وهو مروان بن معاوية.

                                                                                                                                                                                  الثالث: عاصم بن سليمان الأحول.

                                                                                                                                                                                  الرابع: عامر بن شراحيل الشعبي.

                                                                                                                                                                                  الخامس: عكرمة مولى ابن عباس.

                                                                                                                                                                                  السادس: عبد الله بن عباس رضي الله عنهما.

                                                                                                                                                                                  (ذكر لطائف إسناده):

                                                                                                                                                                                  فيه التحديث بصيغة الجمع في موضع وبصيغة الإفراد في موضع.

                                                                                                                                                                                  وفيه الإخبار بصيغة الجمع في موضع.

                                                                                                                                                                                  وفيه العنعنة في موضعين.

                                                                                                                                                                                  وفيه القول في موضعين.

                                                                                                                                                                                  وفيه أن شيخه من أفراده وأنه ذكر مجردا في رواية الأكثرين وفي رواية أبي ذر هو ابن سلام بذكر أبيه.

                                                                                                                                                                                  وفيه أن الفزاري والشعبي كوفيان وأن عاصما بصري.

                                                                                                                                                                                  وفيه أن الفزاري والشعبي مذكوران بالنسبة، وأن شيخه في أكثر الرواية وعاصما مذكوران مجردين عن النسبة.

                                                                                                                                                                                  (ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره):

                                                                                                                                                                                  أخرجه البخاري أيضا في الأشربة، عن أبي نعيم، عن سفيان الثوري.

                                                                                                                                                                                  وأخرجه مسلم في الأشربة، عن أبي كامل الجحدري.

                                                                                                                                                                                  وعن محمد بن عبد الله بن نمير.

                                                                                                                                                                                  وعن شريح بن يونس.

                                                                                                                                                                                  وعن يعقوب الدورقي وإسماعيل بن سالم.

                                                                                                                                                                                  وعن عبد الله بن معاذ.

                                                                                                                                                                                  وعن محمد بن بشار.

                                                                                                                                                                                  وعن محمد بن المثنى.

                                                                                                                                                                                  وأخرجه الترمذي في الأشربة عن أحمد بن منيع، وفي الشمائل عن علي بن حجر.

                                                                                                                                                                                  وأخرجه النسائي في الحج عن علي بن حجر به.

                                                                                                                                                                                  وعن زياد بن أيوب.

                                                                                                                                                                                  وعن يعقوب الدورقي.

                                                                                                                                                                                  وأخرجه ابن ماجه في الأشربة، عن سويد بن سعيد.

                                                                                                                                                                                  (ذكر معناه):

                                                                                                                                                                                  قوله: "وهو قائم" جملة اسمية وقعت حالا.

                                                                                                                                                                                  قوله: "فحلف عكرمة ما كان" أي ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ، يعني يوم سقى ابن عباس رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم من ماء زمزم، وفي لفظ ابن ماجه: قال عاصم: فذكرت ذلك لعكرمة، فحلف بالله ما فعل، أي ما شرب قائما؛ لأنه كان حينئذ راكبا.

                                                                                                                                                                                  (ذكر ما يستفاد منه): فيه الرخصة في الشرب قائما، وقيل إن الشرب من زمزم من غير قيام يشق لارتفاع ما عليها من الحائط.

                                                                                                                                                                                  وقال ابن بطال: أراد البخاري أن الشرب من ماء زمزم من سنن الحج.

                                                                                                                                                                                  فإن قلت: روى ابن جرير، عن نافع، عن ابن عمر أنه كان لا يشرب منها في الحج.

                                                                                                                                                                                  قلت: لعله إنما تركه؛ لئلا يظن أن شربه من الفرض اللازم، وقد فعله أولا مع أنه كان شديد الاتباع للآثار، بل لم يكن أحد أتبع لها منه، ونص أصحاب الشافعي على شربه.

                                                                                                                                                                                  وقال وهب بن منبه: نجدها في كتاب الله شراب الأبرار وطعام طعم وشفاء سقم، لا تنزح ولا تزم، من شرب منها حتى يتضلع أحدثت له شفاء وأخرجت عنه داء.

                                                                                                                                                                                  واعلم أنه روي في الشرب قائما أحاديث كثيرة، منها النهي عن ذلك، وبوب عليه مسلم بقوله: باب الزجر عن الشرب قائما.

                                                                                                                                                                                  وحدثنا هداب بن خالد، حدثنا همام، حدثنا قتادة، عن أنس: أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم زجر عن الشرب قائما، وفي لفظ له عن أنس، عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أنه نهى أن يشرب الرجل قائما، قال قتادة: فقلنا فالأكل، قال: ذاك أشد وأخبث، وفي رواية عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم زجر عن الشرب قائما، وفي لفظ "نهى عن الشرب قائما" وفي رواية له عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: "لا يشربن أحدكم قائما، فمن نسي فليستق" وروى الترمذي من حديث الجارود بن المعلى: أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم نهى عن الشرب قائما.

                                                                                                                                                                                  ومنها إباحة الشرب قائما فمن ذلك [ ص: 279 ] ما رواه البخاري وبوب عليه: باب الشرب قائما، على ما يأتي فقال: حدثنا أبو نعيم، حدثنا مسعر، عن عبد الملك بن ميسرة، عن النزال قال: أتى علي رضي الله تعالى عنه على باب الرحبة بماء، فشرب قائما، فقال: إن ناسا يكره أحدهم أن يشرب وهو قائم وإني رأيت النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فعل كما رأيتموني فعلت" ورواه أبو داود أيضا، وروى الترمذي من حديث ابن عمر قال: " كنا نأكل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نمشي، ونشرب ونحن قيام " وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب، وروي أيضا من حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال: " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرب قائما وقاعدا " وقال: هذا حديث حسن، وروى الطحاوي، وقال: حدثنا ربيع الجيزي، قال: حدثنا إسحاق بن أبي فروة المدني، قال: حدثتنا عبيدة بنت نابل، عن عائشة بنت سعد، عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يشرب قائما " ورواه البزار أيضا في مسنده نحوه، وروى الطحاوي أيضا فقال: حدثنا ابن مرزوق قال: حدثنا أبو عاصم، عن ابن جريج قال: أخبرني عبد الكريم بن مالك قال: "أخبرني البراء بن زيد أن أم سليم حدثته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شرب وهو قائم من في قربة" وفي لفظ له أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها وفي بيته قربة معلقة فشرب من القربة قائما.

                                                                                                                                                                                  وأخرجه أحمد والطبراني أيضا.

                                                                                                                                                                                  وقال النووي: اعلم أن هذه الأحاديث أشكل معناها على بعض العلماء، حتى قال فيها أقوالا باطلة، والصواب منها أن النهي محمول على كراهة التنزيه، وأما شربه قائما فلبيان الجواز، ومن زعم نسخا فقد غلط، فكيف يكون النسخ مع إمكان الجمع، وإنما يكون نسخا لو ثبت التاريخ، فأنى له ذلك.

                                                                                                                                                                                  وقال الطحاوي ما ملخصه: أنه صلى الله عليه وسلم أراد بهذا النهي الإشفاق على أمته; لأنه يخاف من الشرب قائما الضرر وحدوث الداء كما قال لهم: "أما أنا فلا آكل متكئا" انتهى.

                                                                                                                                                                                  قلت: اختلفوا في هذا الباب بحسب اختلاف الأحاديث فيه، فذهب الحسن البصري وإبراهيم النخعي وقتادة إلى كراهة الشرب قائما، وروي ذلك عن أنس رضي الله تعالى عنه، وذهب الشعبي وسعيد بن المسيب وزاذان وطاوس وسعيد بن جبير ومجاهد إلى أنه لا بأس به، ويروى ذلك عن ابن عباس وأبي هريرة وسعد وعمر بن الخطاب وابنه عبد الله وابن الزبير وعائشة رضي الله تعالى عنهم.



                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية