الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                        صفحة جزء
                                                        7205 - فإذا سليمان بن شعيب قد حدثنا ، قال : ثنا عبد الرحمن بن زياد ، قال : ثنا شعبة ، عن الجريري قال : سمعت أبا نضرة يحدث عن أبي سعيد مولى الأنصار قال : كان عمر لا يدع سامرا بعد العشاء ، يقول : ارجعوا ، لعل الله يرزقكم صلاة أو تهجدا .

                                                        فانتهى إلينا ، وأنا قاعد مع ابن مسعود وأبي بن كعب وأبي ذر ، فقال : ما يقعدكم ؟ قلنا : أردنا أن نذكر الله ، فقعد معهم .

                                                        [ ص: 331 ] فهذا عمر ، قد كان ينهاهم عن السمر بعد العشاء ؛ ليرجعوا إلى بيوتهم ، ليصلوا ، أو ليناموا نوما ، ثم يقومون لصلاة ، يكونون بذلك متهجدين .

                                                        فلما سألهم : ما الذي أقعدهم ؟ فأخبروه أنه ذكر الله ، لم ينكر ذلك عليهم وقعد معهم ؛ لأن ما كان يقيمهم له هو الذي هم قعود له .

                                                        فثبت بذلك أن السمر الذي في حديث أبي وائل عن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمر ، جدباه إليهم ، هو الذي فيه قربة إلى الله عز وجل ، والنهي عنه في حديث أبي برزة هو : ما لا قربة فيه ؛ ليستوي معاني هذه الآثار ؛ لتتفق ، ولا تتضاد .

                                                        وقد روينا عن عبد الله بن عباس والمسور بن مخرمة أنهما سمرا إلى طلوع الثريا .

                                                        فذلك - عندنا - على السمر الذي هو قربة إلى الله عز وجل ، وقد ذكرنا ذلك الحديث بإسناده فيما تقدم من كتابنا هذا .

                                                        وقد روي عن عائشة رضي الله عنها أيضا من طريق ليس مثله يثبت ، أنها قالت : لا سمر إلا لمصل ، أو مسافر . فذلك عندنا ، إن ثبت عنها ، غير مخالف لما روينا ، وذلك أن المسافر يحتاج إلى ما يدفع النوم عنه ؛ ليسير ، فأبيح بذلك السمر ، وإن كان ليس بقربة ، ما لم تكن معصية ؛ لاحتياجه إلى ذلك .

                                                        فهذا معنى قولها : "لا سمر إلا للمسافر" .

                                                        وأما قولها : أو مصل ، فمعناه - عندنا - على المصلي بعدما يسمر ، فيكون نومه إذا نام بعد ذلك على الصلاة ، لا على السمر .

                                                        فقد عاد هذا المعنى إلى المعنى الذي صرفنا إليه معاني الآثار الأول ، والله أعلم .

                                                        التالي السابق


                                                        الخدمات العلمية