الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله - تعالى ذكره - ( ذلك يوعظ به من كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر )

قال أبو جعفر : يعني - تعالى ذكره - بقوله ذلك ما ذكر في هذه الآية من نهي أولياء المرأة عن عضلها عن النكاح ، يقول : فهذا الذي نهيتكم عنه من عضلهن عن النكاح عظة مني من كان منكم أيها الناس يؤمن بالله واليوم الآخر - يعني يصدق بالله ، فيوحده ، ويقر بربوبيته ، " واليوم الآخر " يقول : ومن يؤمن باليوم الآخر ، فيصدق بالبعث للجزاء والثواب والعقاب ؛ ليتقي الله في نفسه فلا يظلمها بضرار وليته ومنعها من نكاح من رضيته لنفسها ، ممن أذنت لها في نكاحه .

قال أبو جعفر : فإن قال لنا قائل : وكيف قيل : " ذلك يوعظ به " وهو [ ص: 28 ] خطاب لجميع ، وقد قال من قبل : " فلا تعضلوهن " ؟ وإذا جاز أن يقال في خطاب الجميع " ذلك " أفيجوز أن تقول لجماعة من الناس وأنت تخاطبهم : " أيها القوم ، هذا غلامك ، وهذا خادمك " وأنت تريد : هذا خادمكم ، وهذا غلامكم ؟

قيل : لا إن ذلك غير جائز مع الأسماء الموضوعات ؛ لأن ما أضيف له الأسماء غيرها ، فلا يفهم سامع سمع قول قائل لجماعة : " أيها القوم ، هذا غلامك " أنه عنى بذلك هذا غلامكم - إلا على استخطاء الناطق في منطقه ذلك . فإن طلب لمنطقه ذلك وجها في الصواب صرف كلامه ذلك إلى أنه انصرف عن خطاب القوم بما أراد خطابهم به إلى خطاب رجل واحد منهم أو من غيرهم ، وترك مجاوزة القوم بما أراد مجاوزتهم به من الكلام . وليس ذلك كذلك في " ذلك " لكثرة جري ذلك على ألسن العرب في منطقها وكلامها ، حتى صارت " الكاف " - التي هي كناية اسم المخاطب فيها - كهيئة حرف من حروف الكلمة التي هي متصلة . وصارت الكلمة بها كقول القائل : " هذا " كأنها ليس معها اسم مخاطب . فمن قال : " ذلك يوعظ به من كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر " أقر " الكاف " من " ذلك " موحدة مفتوحة في خطاب الواحدة من النساء ، والواحد من الرجال ، والتثنية ، والجمع . ومن قال : " ذلكم يوعظ به " كسر " الكاف " في خطاب الواحدة من النساء ، وفتح في خطاب الواحد من الرجال ، فقال في خطاب الاثنين [ ص: 29 ] منهم : " ذلكما " وفي خطاب الجمع " ذلكم " .

وقد قيل : إن قوله : " ذلك يوعظ به من كان منكم يؤمن بالله " خطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - ولذلك وحد ثم رجع إلى خطاب المؤمنين بقوله : " من كان منكم يؤمن بالله " . وإذا وجه التأويل إلى هذا الوجه لم يكن فيه مؤونة .

التالي السابق


الخدمات العلمية