الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ولا يجوز إقامتها إلا للسلطان أو لمن أمره السلطان ) [ ص: 55 ] لأنها تقام بجمع عظيم ، وقد تقع المنازعة في التقدم والتقديم ، وقد تقع في غيره فلا بد منه تتميما لأمره .

التالي السابق


( قوله أو لمن أمره ) فخرج القاضي الذي لم يؤمر بإقامتها ودخل العبد إذا قلد ولاية ناحية فتجوز إقامته [ ص: 55 ] وإن لم تجز أقضيته وأنكحته ، والمرأة إذا كانت سلطانة يجوز أمرها بالإقامة لا إقامتها ، ولمن أمره أن يستخلف وإن لم يؤذن له في الاستخلاف ، بخلاف القاضي لا يملك الاستخلاف إن لم يأذن له فيه . والفرق أن الجمعة مؤقتة تفوت بتأخيرها ، فالأمر بإقامتها مع العلم بأن المأمور عرض للأعراض الموجبة للتفويت أمر بالاستخلاف دلالة بخلاف القاضي ; لأن القضاء غير مؤقت ، وجواز الإقامة فيما إذا مات والي مصر لخليفته ، وصاحب الشرط والقاضي إلى أن يصل وال آخر باعتبار أنهم كانوا ممن ينوب عنه في حال حياته فبموته لا ينعزلون كما إذا كان حيا فكان الأمر مستمرا لهم ; ولذا قالوا : إذا مات السلطان وله أمراء على أشياء من أمور المسلمين فهم على ولاياتهم يقيمون الجمعة بخلاف ما لو اجتمعت العامة على تقديم رجل عند موت ذلك الوالي حيث لا تجوز إقامته لانتفاء ما قلنا .

ولو أمر نصراني أو صبي على مصر فأسلم وبلغ ليس لهما الإقامة إلا بأمر بعد الإسلام والبلوغ ، ولو قيل لهما إذا أسلمت أو بلغت فصل فأسلم وبلغ وجاز لهما الإقامة ; لأن الإضافة في الولاية جائزة . وعن بعض المشايخ : إذا كان التفويض إليهما قبل الجمعة فأسلم وأدرك جاز لهما الإقامة ، كالأمي والأخرس إذا أمرا به فبرأ وحفظ ، وعلى الأول لا يجوز ; لأن التفويض وقع باطلا ، والمتغلب الذي لا منشور له إن كانت سيرته بين الرعية سيرة الأمراء ويحكم بحكم الولاة تجوز الجمعة بحضرته ; لأن بذلك تتحقق السلطنة فيتم الشرط ، والإذن بالخطبة إذن بالجمعة وعلى القلب .

وفي نوادر الصلاة : إن السلطان إذا كان يخطب فجاء سلطان آخر ، إن أمره أن يتم الخطبة يجوز ويكون ذلك القدر خطبة ويجوز له أن يصلي بهم الجمعة ; لأنه خطب بأمره فصار نائبا عنه ، وإن لم يأمره وسكت فأتم الأول فأراد الثاني أن يصلي بتلك الخطبة ; لأن سكوته محتمل ، وكذا إذا حضر الثاني وقد فرغ الأول من خطبته فصلى الثاني بتلك الخطبة لا يجوز ; لأنها خطبة إمام معزول ولم توجد من الثاني ، وهذا كله إذا علم الأول حضور الثاني ، وإن لم يعلم وخطب وصلى والثاني ساكت جازت ; لأنه لا يصير معزولا إلا بالعلم إلا إذا كتب إليه كتاب العزل أو أرسل رسولا فصار معزولا ، ثم إذا صلى صاحب الشرط جاز ; لأن عمالهم على حالهم ( قوله : لأنها تقام بجمع عظيم إلخ ) حقيقة هذا الوجه أن اشتراط السلطان كي لا يؤدي إلى عدمها كما يفيده فلا بد منه تتميما لأمره : أي لأمر هذا الفرض أو الجمع ، فإن ثوران الفتنة يوجب تعطيله ، وهو متوقع إذا لم يكن التقدم عن أمر سلطان تعتقد طاعته أو تخشى عقوبته ، فإن التقدم على جميع أهل المصر يعد شرفا ورفعة فيتسارع إليه كل من مالت همته إلى الرياسة [ ص: 56 ] فيقع التجاذب والتنازع وذلك يؤدي إلى التقاتل .

وما روي أن عليا رضي الله عنه أقام بالناس وعثمان رضي الله عنه محصور واقعة حال ، فيجوز كونه عن إذنه كما يجوز كونه من غير إذنه فلا حجة فيه لفريق ، فيبقى قوله صلى الله عليه وسلم { ومن تركها وله إمام جائر أو عادل ، ألا فلا جمع الله شمله ولا بارك له في أمره ، ألا ولا صلاة له } الحديث رواه ابن ماجه وغيره حيث اشترط في لزومها الإمام ، كما يفيده قيد الجملة الواقعة حالا مع ما عيناه من المعنى سالمين من المعارض . وقال الحسن : أربع إلى السلطان ، وذكر منها الجمعة والعيدين ، ولا شك أن إطلاق قوله تعالى { فاسعوا } مقيد بخصوص مكان ومخصوص منه كثير كالعبيد والمسافرين فجاز تخصيصه بظني آخر فيخص بمن أمره السلطان أيضا .




الخدمات العلمية