الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              368 [ ص: 352 ] 16 - باب: من صلى في فروج حرير ثم نزعه

                                                                                                                                                                                                                              375 - حدثنا عبد الله بن يوسف قال: حدثنا الليث، عن يزيد، عن أبي الخير، عن عقبة بن عامر قال: أهدي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فروج حرير، فلبسه فصلى فيه، ثم انصرف فنزعه نزعا شديدا -كالكاره له- وقال: " لا ينبغي هذا للمتقين". [5801 - مسلم: 2075 - فتح: 1 \ 484] .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ثم ساق بإسناده من حديث عقبة بن عامر قال: أهدي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فروج حرير، فلبسه فصلى فيه، ثم انصرف فنزعه نزعا شديدا- كالكاره له- وقال: "لا ينبغي هذا للمتقين".

                                                                                                                                                                                                                              الكلام عليه من أوجه:

                                                                                                                                                                                                                              أحدها:

                                                                                                                                                                                                                              هذا الحديث أخرجه مسلم في اللباس، والنسائي منه، والبخاري أيضا هناك.

                                                                                                                                                                                                                              ثانيها:

                                                                                                                                                                                                                              (فروج) بفتح الفاء ثم راء مضمومة مشددة: قال ابن الجوزي: كذا ضبطناه عن شيوخنا في كتاب أبي عبيد وغيره، ويقال: بضم الفاء من غير تشديد على وزن خروج على غير المعدى. وقال القرطبي: قيد بفتح الفاء وضمها، والضم المعروف، وأما الراء فمضمومة، على كل حال مشددة، وقد تخفف.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 353 ] وقال ابن قرقول: هو بفتح الفاء والتشديد في الراء، ويقال تخفيفها أيضا. وهو كما قال البخاري في كتاب اللباس: القباء الذي شق من خلفه. وقال القرطبي: القباء والفروج كلاهما ثوب ضيق الكمين والوسط مشقوق من خلف، يتشمر فيه للحرب والأسفار. قلت: وهو لبس الأعاجم.

                                                                                                                                                                                                                              ثالثها: قيل: إن لبسه كان قبل تحريم الحرير على الرجال. قال النووي: ولعل أول النهي والتحريم كان حين نزعه، ولهذا قال في حديث جابر عند مسلم: صلى في قباء ديباج ثم نزعه. وقال: "نهاني عنه جبريل" فيكون أول التحريم هذا. قال ابن حزم: وروينا عن أبي الخير أنه سأل عقبة بن عامر الجهني عن لبنة حرير في جبة فقال: ليس بها بأس.

                                                                                                                                                                                                                              رابعها: قوله: ("لا ينبغي هذا للمتقين") وفي رواية: "إن هذا ليس من لباس المتقين" أي: المؤمنين، فإنهم هم الذين خافوا الله تعالى واتقوه بإيمانهم وطاعتهم له.

                                                                                                                                                                                                                              خامسها: اختلف العلماء في الصلاة في الثوب الحرير:

                                                                                                                                                                                                                              فقال الشافعي وأبو ثور: يحرم وتصح. وقال ابن القاسم عن مالك:

                                                                                                                                                                                                                              من صلى في ثوب حرير يعيد في الوقت إن وجد ثوبا غيره. وعليه جل أصحابه. وقال أشهب: لا إعادة عليه في الوقت ولا غيره. وهو قول [ ص: 354 ] أصبغ، وخفف ابن الماجشون لباسه في الحرب والصلاة فيه للترهيب على العدو والمباهاة. وقال آخرون: إن صلى فيه وهو يعلم أن ذلك يجوز يعيد. ومن أجاز الصلاة فيه احتج بأنه لم يرد عن الشارع الإعادة، وهو عجيب؛ لأنه إذ ذاك مباح، ومن لم يجزها أحد لعموم تحريمه - صلى الله عليه وسلم - لباس الحرير للرجال.




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية