الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          وصفتها في موضعها وأحكامها صفة صلاة العيد . وإذا أراد الإمام الخروج لها وعظ الناس ، وأمرهم بالتوبة من المعاصي ، والخروج من المظالم ، والصيام والصدقة وترك التشاحن . ويعدهم يوما يخرجون فيه ، ويتنظف لها ، ولا يتطيب ، ويخرج متواضعا متخشعا متذللا متضرعا ، ومعه أهل الدين والصلاح والشيوخ ، ويجوز خروج الصبيان ، وقال ابن حامد : يستحب ، وإن خرج أهل الذمة لم يمنعوا ولم يختلطوا بالمسلمين ، فيصلي بهم .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          ( وصفتها في موضعها وأحكامها صفة صلاة العيد ) لأنها في معناها ، قال ابن عباس : سنة الاستسقاء سنة العيدين ، فعلى هذا تسن في الصحراء ، وأن يصلي ركعتين ، يكبر في الأولى سبعا ، وفي الثانية خمسا من غير أذان ولا إقامة ; لأنه ـ عليه السلام ـ لم يقمها إلا في الصحراء ; وهي أوسع عليهم من غيرها ، وقال ابن عباس : صلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ركعتين كما كان يصلي في العيد قال الترمذي : حديث حسن صحيح ، وعن النبي ، وأبي بكر ، وعمر أنهم كانوا يصلون صلاة الاستسقاء [ ص: 202 ] يكبرون فيها سبعا ، وخمسا رواه الشافعي من رواية إبراهيم بن أبي يحيى ; وهو مرسل ، وعن ابن عباس نحوه ، وزاد فيه : وقرأ " سبح " ، وفي الثانية بالغاشية رواه الدارقطني ، وعنه : ركعتين كصلاة التطوع ; وهي ظاهر " الخرقي " ; لقول عبد الله بن زيد : استسقى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وصلى ركعتين رواه البخاري ، والأول أصح ; لأنها مطلقة ، ورواية ابن عباس مقيدة ، وقد علم أنها تفعل أول النهار ، وقيل : بعد الزوال ، وذكره ابن عبد البر من جماعة من العلماء .

                                                                                                                          ( وإذا أراد الإمام الخروج لها وعظ الناس ) أي : يخوفهم ، ويذكرهم بالخير فيما يرق به قلوبهم ، وينصحهم ، ويذكرهم بالعواقب ( وأمرهم بالتوبة من المعاصي ، والخروج من المظالم ) وذلك واجب ; لأن المعاصي سبب القحط ، والتقوى سبب للبركات ; لقوله تعالى ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض [ الأعراف : 196 ] الآية ( والصيام ) لأنه وسيلة إلى نزول الغيث ، وقد روي دعوة الصائم لا ترد ، ولما فيه من كسر الشهوة وحضور القلب ، والتذلل للرب ، زاد جماعة : ثلاثة أيام ، وأنه يخرج صائما ، وظاهر ما ذكروه أنه لا يلزم الصوم بأمره ، مع أنهم صرحوا بوجوب طاعته في غير المعصية ، وذكره بعضهم إجماعا ، قال في " الفروع " : ولعل المراد في السياسة والتدبير والأمور المجتهد فيها لا مطلقا ، ولهذا جزم بعضهم : يجب في الطاعة ، ويسن في المسنون ، ويكره في المكروه ( والصدقة ) لأنها متضمنة للرحمة المفضية إلى رحمتهم بنزول الغيث ( وترك التشاحن ) وهو تفاعل من الشحناء ; وهي العداوة لأنها تحمل على المعصية والبهت ، وتمنع نزول الخير بدليل قوله ـ عليه السلام ـ خرجت [ ص: 203 ] لأخبركم بليلة القدر ، فتلاحى فلان وفلان فرفعت ( ويعدهم يوما ) أي : يعينه لهم ( يخرجون فيه ) ليتهيئوا للخروج على الصفة المسنونة ( ويتنظف لها ) من إزالة الرائحة وتقليم الأظفار ، ونحوهما ، لئلا يؤذي الناس ; وهو يوم يجتمعون له أشبه الجمعة ( ولا يتطيب ) وفاقا ; لأنه يوم استكانة وخضوع ( ويخرج متواضعا متخشعا متذللا متضرعا ) لما روى ابن عباس قال : خرج النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ للاستسقاء متذللا متواضعا متخشعا متضرعا ، حتى أتى المصلى قال الترمذي : حديث حسن صحيح ( ومعه أهل الدين والصلاح والشيوخ ) لأنه أسرع إلى إجابتهم ، وظاهره : تخرج العجائز ، ومن لا هيئة لها ، والأشهر : لا يستحب ، بل قال ابن عقيل : ظاهر كلام أحمد أنه لا يجوز خروجهم ، وقيل : يستحب ; وهو ظاهر كلام جماعة ، ولا تخرج ذات هيئات ; لأن الضرر في خروجهن أكثر .

                                                                                                                          ( ويجوز ) كالبهائم ; لأن الرزق مشترك بين الكل ، لكن المميز يستحب خروجه ( وقال ابن حامد : يستحب ) لما روى البزار مرفوعا لولا أطفال رضع ، وعباد ركع ، وبهائم رتع ، لصب عليكم العذاب صبا ، ولأنهم لا ذنوب لهم ، فيكون دعاؤهم مستجابا كالمشايخ ، والمذهب الأول ; لأن النص لا يدل على الاستحباب ، وإلا لزم استحباب خروج البهائم ، وفي " الفصول " نحن لخروج الشيوخ والصبيان أشد استحبابا ، قال : ويؤمر سادة العبيد بإخراج عبيدهم وإمائهم ، ولا يجب ، والمراد : مع عدم الفتنة ( وإن خرج أهل الذمة لم يمنعوا ) لأنه خروج لطلب الرزق ، والله ضمن أرزاقهم كما ضمن أرزاق المسلمين ، والمذهب يكره ، [ ص: 204 ] لأنهم أعداء الله فهم بعيدون من الإجابة ، وإذا غيث المسلمون فربما ظنوه بدعائهم ، ونقل الميموني أنه لا يكره ; وهو ظاهر كلام أبي بكر ( ولم يختلطوا بالمسلمين ) لقوله تعالى واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة [ الأنفال : 25 ] ولأنه لا يؤمن أن يصيبهم عذاب فيعم من حضر ، وظاهره : أنهم لا يفردون بيوم لئلا يتفق نزول غيث يوم خروجهم وحدهم فيكون أعظم لفتنتهم ، وربما افتتن بهم غيرهم ، وقال ابن أبي موسى والسامري ، وصاحب " التلخيص " : إفرادهم بيوم أولى لئلا يظنون إنما حصل من السقيا بدعائهم ، وفي خروج عجائزهم الخلاف ، ولا تخرج منهم شابة بلا خلاف في المذهب ، ذكره في " الفصول " ، وجعل أهل الذمة من خالف دين الإسلام في الجملة .

                                                                                                                          فائدة : يستحب الاستسقاء بمن ظهر صلاحه ; لأنه أقرب إلى الإجابة ، وقد استسقى عمر بالعباس ، ومعاوية بيزيد بن الأسود ، واستسقى به الضحاك بن قيس مرة أخرى ، ذكره المؤلف ، وقال السامري وصاحب " التلخيص " : لا بأس بالتوسل في الاستسقاء بالشيوخ والعلماء المتقين ، وقال في " المذهب " : ويجوز أن يتشفع إلى الله برجل صالح ، وقيل : يستحب . قال أحمد في " منسكه " الذي كتبه للمروذي : إنه يتوسل بالنبي - صلى الله عليه وسلم - في دعائه ، وجزم في " المستوعب " وغيره ( فيصلي بهم ) ركعتين كالعيد ، وعنه : بلا تكبير زائد ; وهو ظاهر الخرقي ، وفي " النصيحة " يقرأ في الأولى إنا أرسلنا نوحا وفي الثانية ما أحب




                                                                                                                          الخدمات العلمية