الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            أما قوله تعالى : ( ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعا ) ففيه مسائل :

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الأولى : اعلم أن في قراءة هذه الآية أبحاثا :

                                                                                                                                                                                                                                            البحث الأول : قرأ نافع وابن عمر : ( ولو ترى ) بالتاء المنقوطة من فوق خطابا للنبي عليه السلام ، كأنه قال : لو ترى يا محمد الذين ظلموا ، والباقون بالياء المنقوطة من تحت على الإخبار عمن جرى ذكرهم ، كأنه قال : ولو يرى الذين ظلموا أنفسهم باتخاذ الأنداد ، ثم قال بعضهم : هذه القراءة أولى ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين قد علموا قدر ما يشاهده الكفار ، ويعاينون من العذاب يوم القيامة ، أما المتوعدون في هذه الآية فهم الذين لم يعلموا ذلك ، فوجب إسناد الفعل إليهم .

                                                                                                                                                                                                                                            البحث الثاني : اختلفوا في ( يرون ) فقرأ ابن عامر : ( يرون ) بضم الياء على التعدية ، وحجته قوله تعالى : ( كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم ) [البقرة : 167] والباقون ( يرون ) بالفتح على إضافة الرؤية إليهم .

                                                                                                                                                                                                                                            البحث الثاني : اختلفوا في ( أن ) فقرأ بعض القراء ( إن ) بكسر الألف على الاستئناف ، وأما القراء السبع فعلى فتح الألف فيها .

                                                                                                                                                                                                                                            البحث الرابع : لما عرفت أن ( يرى الذين ظلموا ) قرئ تارة بالتاء المنقوطة من فوق وأخرى بالياء المنقوطة من تحت ، وقوله : ( أن القوة ) قرئ تارة بفتح الهمزة من ( أن ) وأخرى بكسرها حصل ههنا أربع احتمالات :

                                                                                                                                                                                                                                            الاحتمال الأول : أن يقرأ ( ولو يرى ) بالياء المنقوطة من تحت مع فتح الهمزة من ( أن ) والوجه فيه أنهم أعملوا يرون في القوة ، والتقدير : ولو يرون أن القوة لله ، ومعناه : ولو يرى الذين ظلموا شدة عذاب الله وقوته لما اتخذوا من دونه أندادا ، فعلى هذا جواب ( لو ) محذوف ، وهو كثير في التنزيل كقوله : ( ولو ترى إذ وقفوا على النار ) [ الأنعام : 27 ] ، ( ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت ) [ الأنعام : 93 ] ، ( ولو أن قرآنا سيرت به الجبال ) [ الرعد : 31 ] ويقولون : لو رأيت فلانا والسياط تأخذ منه ، قالوا : وهذا الحذف أفخم وأعظم ؛ لأن على هذا التقدير يذهب خاطر المخاطب إلى كل ضرب من الوعيد فيكون الخوف على هذا التقدير مما إذا كان عين له ذلك الوعيد .

                                                                                                                                                                                                                                            الاحتمال الثاني : أن يقرأ بالياء المنقوطة من تحت مع كسر الهمزة من ( إن ) والتقدير : ولو يرى الذين ظلموا عجزهم حال مشاهدتهم عذاب الله لقالوا : إن القوة لله .

                                                                                                                                                                                                                                            الاحتمال الثالث : أن تقرأ بالتاء المنقوطة من فوق ، مع فتح الهمزة من ( أن ) وهي قراءة نافع وابن [ ص: 189 ] عامر ، قال الفراء : الوجه فيه تكرير الرؤية ، والتقدير فيه : ولو ترى الذين ظلموا إذ يرون العذاب ترى أن القوة لله جميعا .

                                                                                                                                                                                                                                            الاحتمال الرابع : أن يقرأ بالتاء المنقوطة من فوق ، مع كسر الهمزة ، وتقديره : ولو ترى الذين ظلموا إذ يرون العذاب لقلت : إن القوة لله جميعا ، وهذا أيضا تأويل ظاهر جيد .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : إن قيل : كيف جاء قوله : ( ولو يرى الذين ظلموا ) وهو مستقبل مع قوله : ( إذ يرون العذاب ) و ( إذ ) للماضي ؟ قلنا : إنما جاء على لفظ المضي ؛ لأن وقوع الساعة قريب ، قال تعالى : ( وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب ) [ النحل : 77 ] وقال : ( لعل الساعة قريب ) [ الشورى : 17 ] وكل ما كان قريب الوقوع فإنه يجري مجرى ما وقع وحصل ، وعلى هذا التأويل قال تعالى : ( ونادى أصحاب الجنة ) [ الأعراف : 44 ] وقول المقيم : قد قامت الصلاة ، يقول ذلك قبل إيقاعه التحريم للصلاة لقرب ذلك ، وقد جاء كثير في التنزيل من هذا الباب ، قال تعالى : ( ولو ترى إذ وقفوا ) [ الأنعام : 27 ] ، ( ولو ترى إذ الظالمون ) [ الأنعام : 93 ] ، ( ولو ترى إذ فزعوا ) [ سبأ : 51 ] ، ( ولو ترى إذ يتوفى ) [ الأنفال : 50 ] .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية