الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وقوله: «ما استفاد صفة من غيره فتلك الصفة» يعني المستفاد منها «أولى بذلك المعنى المستفاد» -كما مثل به من الحياة- كلام فاسد، فإن العالم لم يستفد الصفة التي هي العلم من الصفة التي هي العلم، بل نفس علمه هو نفس الصفة، ليس هنا صفة مفيدة وصفة مستفادة، إلا أن يقال: العلم أثبت العالمية على رأي مثبتة الحال، وعلى هذا التقدير فالعالمية ليست صفة وجودية، وهو إنما كان عالما بالعلم الموجب للحال. لا بالحال الموجبة للعلم، وإذا كان عالما بالعلم لم يكن العلم حصل من علم آخر، وإنما العلم عند هؤلاء أوجب كونه عالما، والذي عليه الجمهور أن نفس العلم هو نفس كونه عالما، فليس هنا شيئان، وعلى القولين فإذا استحق الموصوف بالعلم أن يسمى عالما لم يكن العلم أحق بأن يكون عالما، فإن هذا لا يقوله عاقل.

وقوله: «إن الجسم إذا كانت حياته من قبل حياة تحله، فواجب [ ص: 431 ] أن تكون تلك الحياة -التي استفاد منها ما ليس بحي الحياة- حية بذاتها».

فيقال: هذا باطل من وجهين:

أحدهما: أن الحياة التي حلته هي الحياة التي صار بها حيا، ليس هنا حياة أخرى صار بها حيا حتى يقال هنا حياة حلته، وحياة جعلته حيا.

الثاني: أن حياته إذا قدر أنها مستفادة من حياة أخرى، فتلك الحياة الأخرى قائمة بحي هو حي بها، لا أن تلك الحياة هي الحية، بل الحي الموصوف بالحياة لا نفس الحياة، فلينظر العاقل نهايات مباحث هؤلاء الفلاسفة في العلم الإلهي: العلم بالله تعالى وأسمائه وصفاته، ولينظر هذا المعقول الذي يعارضون به الرسول صلى الله عليه وسلم، مع أن هذا مبسوط في غير هذا الموضع، وليس هذا موضع بسطه.

والناس شنعوا على أبي الهذيل العلاف لما قال: إن الله عالم بعلم وعلمه نفسه، ونسبوه إلى الخروج من العقل، مع أن كلامه أقل تناقضا من كلام هؤلاء.

وأما زعمه: أن ما يلزم مثبتة الصفات لا جواب عنه، لأن واجب [ ص: 432 ] الوجود يجب أن يكون غير مركب من شرط ومشروط.

فيقال له: قد تقدم أنكم أنتم سميتم هذا تركيبا، هو لا يسمى تركيبا في لغة من اللغات المعروفة لبني آدم، بل إنما سماه تركيبا متأخروكم كابن سينا وأمثاله، وأما قدماؤكم فقد ذكرتم عن أرسطوطاليس أن كل تركيب فهو كائن عنده فاسد، والسماء عنده ليست كائنة فاسدة، فهو لا يسمي السماوات وما فيها من الكواكب مركبة مع أنها أجسام متحيزة متحركة تقوم بها الأعراض، فكيف يسمي ما كان حيا عالما قادرا مركبا؟ وإذا خاطبناكم باصطلاحكم المبتدع لنقطع شغبكم بحثنا معكم بحثا عقليا، فإنكم تدعون أن هذه الأمور معلومة بالعقل لا بالسمع، وإطلاق الألفاظ ونفيها لا تقفون أنتم فيه عند الشرع، فالواجب على أصولكم أن ما علم بالعقل ثبوته أو انتفاؤه اتبع من غير مراعاة للفظ.

ونحن نبين فساد ما ذكرتموه من المعنى بالعقل الصريح مع مخاطبتكم بلغتكم، فيقال له: لم قلت: "إن ما كان مركبا من شرط لا يكون واجب الوجود"؟.

التالي السابق


الخدمات العلمية