الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            811 - ( وعن سمرة قال : { كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى صلاة أقبل علينا بوجهه } رواه البخاري ) .

                                                                                                                                            812 - ( وعن البراء بن عازب قال : { كنا إذا صلينا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم أحببنا أن نكون عن يمينه فيقبل علينا بوجهه } . رواه مسلم وأبو داود ) .

                                                                                                                                            [ ص: 361 ]

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            [ ص: 361 ] الحديث الأول ذكره البخاري في الصلاة بهذا اللفظ وذكره في الجنائز مطولا ، وهو يدل على مشروعية استقبال الإمام للمؤتمين بعد الفراغ من الصلاة والمواظبة على ذلك لما يشعر به لفظ كان كما تقرر في الأصول . قال النووي : المختار الذي عليه الأكثرون والمحققون من الأصوليين أن لفظة كان لا يلزمها الدوام ولا التكرار وإنما هي فعل ماض تدل على وقوعه مرة انتهى .

                                                                                                                                            قيل : والحكمة في استقبال المؤتمين أن يعلمهم ما يحتاجون إليه وعلى هذا يختص بمن كان في مثل حاله صلى الله عليه وسلم من الصلاحية للتعليم والموعظة . وقيل : الحكمة أن يعرف الداخل انقضاء الصلاة إذ لو استمر الإمام على حاله لأوهم أنه في التشهد مثلا وقال الزين بن المنير : استدبار الإمام المأمومين إنما هو لحق الإمامة فإذا انقضت الصلاة زال السبب واستقبالهم حينئذ يرفع الخيلاء والترفع على المأمومين ، والحديث الثاني يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل على من في جهة الميمنة .

                                                                                                                                            ويمكن الجمع بين الحديثين بأنه كان تارة يستقبل جميع المؤتمين ، وتارة يستقبل أهل الميمنة ، ويجعل حديث البراء مفسرا لحديث سمرة فيكون المراد بقوله : " أقبل علينا " أي على بعضنا ، أو أنه كان يصلي في الميمنة فقال ذلك باعتبار من يصلي في جهة اليمين ، وفي الباب عن زيد بن خالد الجهني قال : { صلى لنا صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح بالحديبية على أثر سماء كانت من الليل فلما انصرف أقبل على الناس } الحديث أخرجه البخاري والمراد بقوله : " انصرف " أي من صلاته أو مكانه كذا قال الحافظ وهو على التفسير الأول من أحاديث الباب

                                                                                                                                            وكذا ذكره البخاري في باب يستقبل الإمام الناس إذا سلم . ومن أحاديث الباب ما أخرجه البخاري عن أنس قال : { أخر رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة ذات ليلة إلى شطر الليل ثم خرج علينا فلما صلى أقبل علينا بوجهه }

                                                                                                                                            813 - ( وعن يزيد بن الأسود قال : { حججنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع قال : فصلى بنا صلاة الصبح ، ثم انحرف جالسا فاستقبل الناس بوجهه وذكر قصة الرجلين اللذين لم يصليا قال : ونهض الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ونهضت معهم وأنا يومئذ أشب الرجال وأجلده قال : فما زلت أزحم الناس حتى وصلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذت بيده فوضعتها إما على وجهي أو صدري قال : فما وجدت شيئا أطيب ولا أبرد من يد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : وهو يومئذ في مسجد الخيف } . رواه أحمد وفي رواية له أيضا { أنه صلى الصبح مع النبي صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث قال : ثم ثار الناس يأخذون بيده يمسحون بها وجوههم ، قال : فأخذت بيده فمسحت بها وجهي فوجدتها أبرد من الثلج وأطيب ريحا من المسك } ) . [ ص: 362 ] الحديث أخرجه أيضا أبو داود والنسائي والترمذي وقال : حسن صحيح لكن بلفظ : { شهدت مع النبي صلى الله عليه وسلم حجته فصليت معه الصبح في مسجد الخيف فلما قضى صلاته وانحرف } . ثم ذكروا قصة الرجلين وفي إسناده جابر بن يزيد بن الأسود السوائي عن أبيه روى عنه يعلى بن عطاء . قال ابن المديني : لم يرو عنه غيره وقد وثقه النسائي

                                                                                                                                            قوله : ( فاستقبل الناس بوجهه ) فيه دليل على مشروعية ذلك ، وقد تقدم الكلام فيه . قوله : ( وذكر قصة الرجلين اللذين لم يصليا ) لفظها عند الترمذي وأبي داود والنسائي : { فلما قضى صلى الله عليه وسلم صلاته وانحرف إذا هو برجلين في أخرى القوم لم يصليا معه فقال : علي بهما فجيء بهما ترعد فرائصهما فقال : ما منعكما أن تصليا معنا فقالا يا رسول الله : إنا كنا صلينا في رحالنا قال : فلا تفعلا إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم فإنها لكما نافلة } وسيأتي الكلام على ذلك في أبواب الجماعة

                                                                                                                                            قوله : ( وأجلده ) جعل ضمير الجماعة مفردا لغة قليلة ومنه هو أحسن الفتيان وأجمله . ومنه أيضا قول الشاعر

                                                                                                                                            : إن الأمور إذا الأحداث دبرها دون الشيوخ ترى في بعضها خللا

                                                                                                                                            قوله : ( فوضعتها إما على وجهي أو صدري ) فيه مشروعية التبرك بملامسة أهل الفضل لتقرير النبي صلى الله عليه وسلم له على ذلك . وكذلك قوله : ( ثم ثار الناس يأخذون بيده يمسحون بها وجوههم ) .

                                                                                                                                            814 - ( وعن أبي جحيفة قال : { خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهاجرة إلى البطحاء فتوضأ ، ثم صلى الظهر ركعتين ، والعصر ركعتين ، وبين يديه عنزة تمر من ورائها المرأة ، وقام الناس فجعلوا يأخذون يديه فيمسحون بها وجوههم قال : فأخذت بيده فوضعتها على وجهي ، فإذا هي أبرد من الثلج وأطيب رائحة من المسك } . رواه أحمد والبخاري ) الحديث أخرجه البخاري مطولا ومختصرا في مواضع من كتابه ذكره في الطهارة وفي باب الصلاة في الثوب الأحمر في أوائل كتاب الصلاة وفي الأذان وفي أبواب السترة في موضعين وفي صفة النبي صلى الله عليه وسلم في موضعين .

                                                                                                                                            وفي اللباس في موضعين . قوله : ( إلى البطحاء ) يعني بطحاء مكة وهو موضع خارج مكة وهو الذي يقال له : الأبطح

                                                                                                                                            وقوله : [ ص: 363 ] بالهاجرة يستفاد منه أنه جمع جمع تقديم ويحتمل أن يكون قوله : والعصر ركعتين أي بعد دخول وقتها . قوله : ( عنزة ) هي الحربة القصيرة . قوله : ( تمر من وراءها المرأة ) فيه متمسك لمن قال : إن المرأة لا تقطع الصلاة وسيأتي الكلام على ذلك

                                                                                                                                            قوله : ( فيمسحون بها وجوههم ) فيه مشروعية التبرك كما تقدم والحديث لا يطابق الترجمة التي ذكرها المصنف ; لأن قيام الناس إليه لا يستلزم أنه باق في المكان الذي صلى فيه فضلا عن استقباله للمصلين .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية