الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                تمهيد في التنبيهات : المرابحة خمسة أوجه : أحدها : أن يبين جميع ما لزمها وما يحسب وما لا يحسب مفصلا أو مجملا ، ويشترط الربح للجميع ، فيصح ويكون الربح فيه من جملة الثمن كالمساومة ، وثانيها : أن يبين ما يحسب ويربح له ، وما لا يحسب ولا يربح عليه ، ويوصف الربح على ما يربح عليه خاصة فيجوز ، وثالثها : يبهم ذلك كله ويجمعه جميعه ويقول : قامت بكذا ، والربح كذا . ففاسد للجهل ، ما يحسب ثمنا وما لا يحسب فهو جهل بالثمن لعدم تعينه ، ورابعها : يبهم فيها النفقة مع تسميتها فيقول : قامت علي بمائة شدها وطيها وحملها وصبغها ، أو يفسرها فيقول : منها عشرة في مؤنة ولا يفسر المؤنة ، ففاسد للجهل بالثمن ، قال سحنون : ينفسخ ، وفي الموازية : جوازه ، ويحقق بعد ذلك ولا يكون هذا أسوأ حالا من الكاذب في الثمن ، وخامسها : يفسر المؤنة فيقول : هي علي بمائة : الثمن كذا ، والمؤنة كذا ، ويذكر المؤنة مفصلة ، وباع للعشرة أحد عشر ، ولم يفصلا ما يوضع له الربح ، وما يحسب وما لا يحسب ، فالجواز للأصحاب ، ويقضى الثمن على ما يجب ، وإسقاط ما لا يجب إلى الثمن ، قال : وفيه نظر ; لأنهما قد يجهلان الحكم فيما يسقط ويثبت .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الكتاب : إذا حمل البز إلى بلد آخر لا يحسب من رأس المال جعل السمسار ولا أجرة الشد والطي ولا كراء البيت ، ولا نفقة نفسه ذاهبا [ ص: 162 ] وراجعا ، كان المال له ، أو قراضا . ويحسب كراء المحمولة والنفقة على الرقيق والحيوان في أصل الثمن ، ولا يحسب له ربح إلا أن يرتجونه بعد العلم به ، قال ابن يونس : ينبغي لمن باع مرابحة أن يعرف ما يحسب من الثمن وما لا يحسب ، وما يحسب له ربح ، وما لا يحسب له ، قال صاحب النكت : كل صنعة قائمة كالصبغ والخياطة والكماد والطراز والغسل يحسب ويحسب له ربح ، وما ليس عينا قائمة لكن بثمن السلعة في نفسها كنفقة الرقيق والمحمولة يحسب ولا يحسب له ربح وما ليس بعين قائمة ولا بثمن السلعة ذاتا ولا سوقا لا يحسب له ربح ; لأنه لم ينتقل للمشتري فلا يقابل بشيء ، فإن كان يتولى هو الطراز والصبغ بنفسه لم يحسب ويحسب له الربح ; لأنه كمن وصف ثمنا على سلعة باجتهاده ، وكلامه في الكتاب محمول على الاستئجار ، وبهذا التفصيل قال ( ح ) وجماعة العلماء ، وقال ( ش ) : يضم إلى الثمن كل ماله زيادة في العين دون نفقة الرقيق ، وقال صاحب التنبيهات : أخذ من قوله لا يحسب أجرة السمسار أن أجرته على المشتري ، قال : وهو لا يدل بل ذلك على عرف الناس ، أو يكون البائع دفع إليه ليبيع فالأجرة عليه ; لأنه أجير أو المشتري فالأجرة عليه ; لأنه وكله على الشراء ، قال مالك : ويجوز أن يجعل له على كل مائة يشتري ثلاثة دراهم فعلى هذا تكون محسوبة مضروبا لها الربح ; لأنها بعض الثمن ، وقاله ابن محرز ، وقيل : تحسب ولا يضرب لها ربح ، قال اللخمي : يريد بنفقة الرقيق ما لم تكن لهم غلة توفي النفقة ، فإن قلت عن النفقة حسب الفاضل ، ولو كان سعر البلدين سواء لم يحسب الحمل لعدم تأثيره في الثمن ، ولو أرخص [ ص: 163 ] لسقط الكراء ، ولا بيع حتى يبين ، ولا يبين القصارة ويبين الخياطة ; لأن الناس يكرهون الخياطة السوقية ، ولأن المبيع بعد التفصيل والخياطة أرخص من الذي يفصل على يده ، ولا يبين الصبغ إلا أن يبور عليه فيصبغه ، فإن لم يبين فأصل ابن القاسم في مثل هذا : أنه غش لا يلزم للمشتري ، وإن حط ذلك ، وعلى رأي سحنون : هو كذب إن حطه لزمه ، قال المازري : قول بعض الأشياخ : إنما يحسب الحمولة إذا كان البلد الثاني أغلا ، وهذا إنما يحسن إذا حمل البائع المتاع عالما بذلك ، وإذا أنفق على الدور والأرضين والنخل والشجر في سقي وغيره ، وساوى الإنفاق الغلة أو زادت جاز البيع مرابحة ، ولا يحسب فاضل الإنفاق في رأس المال ، ولا يحسبه له ربح ، وأخذ لبن الماشية لا يمنع البيع مرابحة إذا لم يتغير سوقها ولا بدنها ، ولا يتبع في الولادة حتى يلين .

                                                                                                                تنبيه : مدرك الأصحاب وغيرهم من العلماء فيما يحسب وما لا يحسب ، وما له ربح وما لا ربح له إنما هو عرف التجارة ، وكذلك صرحوا في تعاليلهم بذلك ، ووقع لفظ المرابحة في تصانيفهم في مقتضيات الألفاظ عرفا ، ويلزم على هذا أمران ، أحدهما : أن البلد إذا لم يكن فيه عرف وباع بهذه العبارات من غير بيان أن يفسد البيع للجهل بالثمن ، وبأي شيء هو مقابل من المبيع ، وثانيهما : أن العرف إذا كان في بلد على خلاف مقتضى هذه التفاصيل أن تختلف هذه الأحكام بحسب ذلك العرف ، فاعلم ذلك .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الجواهر : تشترط معرفة المبتاع بما اشترى به ، أو قامت به عليه ، فإن جهله عند العقد بطل .

                                                                                                                [ ص: 164 ] فرع

                                                                                                                قال المازري : إذا تقايلا على مثل الثمن جاز البيع مرابحة ، فإن تقايلا بأكثر كمن يشتري بخمسة ثم يبيع بتسعة ، ثم تقايلا ، لا يجوز بيعه مرابحة بتسعة لانحلال بيعها بالإقالة على القول بأن الإقالة حل بيع ، فإن قلنا : إنها بيع جاز البيع مرابحة ، غير أنه يتهم في الإقالة لهذا الغرض ، قال بعض المتأخرين : إن وقعت الإقالة بعد البيع بأيام ارتفعت التهمة وجاز البيع بثمن الإقالة ، فإن تقايلا بأكثر من رأس المال أو أقل منه في ذلك العقد جاز البيع مرابحة بالثمن الذي تقايلا عليه ; لأنه بيع مستأنف وليس إقالة ، ومنعه ابن حبيب ; لأن النقصان قد يكون أكثر من الثمن الأول يفاضل الربح في عقد الإقالة .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الكتاب : إذا جعل للحمولة ربح ولم يبين ، وحصل الفوت بتغير سوق أو بدن حسب ذلك في الثمن ولم يحسب له ربح ، وإن لم يفت رد البيع إلا أن يتراضيا على ما يجوز ، قال ابن يونس : قال سحنون : إذا دخل في الثمن ما لا يحسب ، أو ما يحسب ولا يحسب له ربح ولم يبين ولم يفت ، خير بين إزالة ما لا يحسب وربحه ورد السلعة ، فإن فاتت فهي كمسألة الكذب إن لم يضع البائع ذلك كان على المشتري القيمة ، إلا أن يكون أكثر من جميع الثمن فلا يزداد أو أقل من الثمن بعد الطرح فلا ينقص ، وهو تفسير ما في المدونة قال : وظاهرها خلافه ; لأن الكذب زيادة ما لم يكن ، وهذا زيادة ما أخرجه من ماله .

                                                                                                                [ ص: 165 ] فرع

                                                                                                                في الكتاب : إذا رقم على متاع وزنه واشتراه فلا يبعه مرابحة على ما رقم ، قال ابن يونس : يريد رقمه بوصفه ; لأنه خديعة ، فإذا علم المشتري خير بين أخذها بجميع الثمن وردها ، فإن فاتت بالأقل من القيمة أو الثمن ، فإن اشترى جملة ثياب فرقم على كل ثوب ما وضعه وباع منها واحدا مرابحة ولم يبين ولم يفت ، خير المشتري بين الرد والتمسك بجميع الثمن ، فإن رد فللبائع إلزامه إياه بما يقع عليه من جملة الثمن ، وما قابل ذلك من الربح ، فإن فات وأبى المشتري التماسك ، وأبى البائع أن يضرب بالعقد فعلى المشتري القيمة يوم ابتاعها إلا أن تزيد على الثمن فلا يزداد ، وأقل من الثمن وحصته من الربح فلا ينقص .

                                                                                                                وقال ابن عبدوس : إن لم تفت ليس للبائع إلزامه إياها بما يقع عليها من الثمن ; لأنه لم يتناوله العقد إلا أن يرضى ، ولأن الجملة يزاد فيها ، وإن فاتت فعليه القيمة إلا أن يتماسك ببيعه الأول .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الكتاب : إذا كتب على السلعة أكثر من ثمنها وباعها بكتابتها ولم يقل شيئا ، شدد مالك فيه الكراهة خشية الخديعة ، قال ابن يونس : قيل معناه : باعها مساومة بأقل مما كتب ، أو مرابحة بالثمن الصحيح ، فإن كانت قائمة خير بين أخذها بذلك ، أو ردها ، فإن فاتت فعليه الأقل من القيمة أو الثمن .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الكتاب : عليه أن يبين العيب دون الغلة ; لأنها له بالضمان ، إلا أن يطول الزمان ، أو تحول الأسواق فليبينه ; لأن الأغراض تختلف فيه ، [ ص: 166 ] وقاله ( ش ) في كل ما نشأ عن العين كالولد وغيره لعدم وجوده عند العقد ، فإن جز صوفا بينه ; لأنه إن كان عند البائع تاما فله جزه من الثمن ، أو حدث بعده فقد طال الزمان ، فتغير الحيوان ، ويبين توالد الغنم وإن باعها بأولادها ، وإذا ولدت الأمة لا يبيعها مرابحة ، ويمسك الولد ، وإن أخر الثمن أو حطه منه شيئا فليبينه .

                                                                                                                قال اللخمي : إذا حدث الصوف عنده فإنما ينظر إلى انتقال السن ، فإن كانت جذعة وصارت ثنية ، فلا مقال للمشتري لانتقالها للأفضل ، إلا أن يتغير سوق بنقص ، فإن كانت رباعية فهرمت فعليه البيان ، قال : وأرى إذا كانت الغنم حوامل عند الشراء أو قريبة الوضع وباعها بأولادها : أن لا يبين ; لأنها زيادة لا ينظرها المشتري ، وهو في الأمة أبين لذهاب خوف الوضع ، وإن حملت بعد الشراء أو كانت حوامل بعيدة الوضع : لا يبين ذلك أيضا ; لأن الولد زيادة ، وإنما يعتبر طول الزمان ، وانتقال الشيء الأدنى ، ويبين في الجارية ; لأنه عيب ، ولا يراعى انتقال سنها ، وإذا حال السوق بزيادة ولم يطل مكثه لم يبين ، وإن عاد السوق عن قرب لم يبين ، وإن طال مكثه ولم يتغير سوقه ولا بدنه ولا بار عليه لم يبين ، وإن بار بين لكراهة الناس في البائر ، وإذا لم يبين نقص السوق والبدن : فغش عند ابن عبدوس ، وكذب عند سحنون ، قال : والأول أحسن فإذا حطه البائع سقط مقال المشتري ، وكل عيب حدث فكتمه فهو كذب ، وطول الزمان عشر ، والزيادة في الثمن كذب ، ورقم أكثر منه مع البيع به غش ; لأن المشتري يظن نقص [ ص: 167 ] السعر ، فللمشتري الرد مع القيام ، وإن كره البائع ، فإن فاتت فالأقل من القيمة ، أو الثمن ، ويختلف في القيمة متى تكون فعلى القول بأن المحبوسة بالثمن من البائع تكون يوم القبض ، وعلى القول أنها من المشتري يوم البيع ، إلا أن يكون المشتري لم ير الرقم أو رآه ولم يفهمه ، فلا مقال له ، وإذا اطلع على عيب فرضيه فباع مرابحة ولم يبينه فهي مسألة عيب ، أو بينه ولم يبين رضاه به فمسألة كذب إن كان رضاه كراهة في الخصومة ، أو لغيبة البائع ، وإن كان رغبة في السلعة فليبين العين خاصة دون الرضا ، وإن أخذ سلعة من مديان موسر بدين حال ، وهو متمكن من قبضه : فله بيعها بما أخذها فيه ولا يبين ، وإلا بين ، فإن لم يبين فمسألة كذب وغش على القولين ، وإن حدث العيب عنده ولم يبين فغش .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الكتاب : إذا اشترى لأجل بين ذلك ، وقاله ( ش ) ، فإن باع بالنقد فهو مردود ، فإن قبلها المبتاع بالثمن إلى ذلك الأجل منع ; لأنه سلف بنفع ، فإن فاتت فالقيمة يوم القبض معجلة ، قال اللخمي : جعله كمن قيل له : لا ترد بالعيب ونؤخرك بالثمن ، قال : وأرى أن ينظر ، فإن قام ليرد فقال : لا ترد وأنا أصبر عليك فسد ، وإن رد فقال له : اقبلها وأنا أصبر عليك جاز ; لأنه بيع مستأنف بثمن إلى أجل ، وقال سحنون : يقوم الدين بالنقد ، فإن رضي البائع بضرب الربح على القيمة لم يرد لذهاب الضرر ، قال ابن يونس : إذا أخبر بالثمن ولم يبين للمبتاع الرد ، فإن فاتت فالقيمة كالذي لم يبين تأجيل الثمن ، وإن حط عنه ولم يبين ، قال سحنون : يلزمه ، وإلا خير بين الإمساك والرد ، وكذلك إن حطه دون حطيطة من الربح يلزمه البيع ، فإن لم يعلم بالحطيطة حتى فاتت وكانت الحطيطة بعد الفوت حط عنه ذلك من غير ربح ، وإلا فله القيمة ما لم [ ص: 168 ] تجاوز الثمن الأول فلا تزاد ، أو تنقض من الثمن بعد طرح الحطيطة بلا ربح ، فلا ينقص .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية