الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        410 383 - وأما حديثه في هذا الباب عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن رجل من المهاجرين لم ير به بأسا ، أنه سأل عبد الله بن عمرو بن العاص : أأصلي في عطن الإبل ؟ فقال عبد الله : لا ، ولكن صل في مراح الغنم .

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        9127 - هكذا هو في " الموطأ " عند جميع الرواة .

                                                                                                                        [ ص: 305 ] ورواه وكيع ، وعبدة بن سليمان ، عن هشام ، قال : حدثني رجل من المهاجرين .

                                                                                                                        9128 - وبعضهم يقول : عن هشام عن رجل من المهاجرين لا يذكرون فيه : عن أبيه . 9129 - وزعم مسلم أن مالكا وهم فيه ، وأن وكيعا ومن تابعه أصابوا ، وهو عندي ظن وتوهم لا دليل عليه .

                                                                                                                        9130 - ومعلوم أن مالكا أحفظ ممن خالفه في ذلك وأعلم بهشام ، ولو صح ما نقله غير مالك عن هشام ما كان عندي إلا وهما من هشام ، والله أعلم .

                                                                                                                        9131 - ومالك في نقله حجة .

                                                                                                                        9132 - ومثل ذلك من الفرق بين الغنم والإبل لا يدرك بالرأي .

                                                                                                                        9133 - وقد روى هذا الحديث : يونس بن بكير ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عبد الله بن عمر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .

                                                                                                                        9134 - ورواه عبدة بن سليمان ، عن هشام بن عروة ، قال : حدثني رجل سأل عبد الله بن عمر عن الصلاة في أعطان الإبل ، قال : فنهاه وقال : صل في مراح الغنم .

                                                                                                                        9135 - والصواب في إسناده عن هشام - والله أعلم - ما قاله مالك عنه ، وأما يونس بن بكير فليس بالحافظ .

                                                                                                                        [ ص: 306 ] 9136 - وقد روي هذا المعنى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من وجوه كثيرة من حديث أبي هريرة ، والبراء بن عازب ، وجابر [ ص: 307 ] بن سمرة ، وعبد الله بن معقل . وكلها بأسانيد حسان ، وأكثرها تواتر ، وأحسنها حديث البراء . وحديث عبد الله بن معقل رواه عن الحسن نحو خمسة عشر رجلا .

                                                                                                                        9137 - وأما عطن الإبل فهو موضع بروكها عند سقيها ; لأنها في سقيها لها شربتان ترد الماء فيها مرتين ، فموضع بروكها بين الشربتين هو عطنها لا موضع بيتها ، وموضع بيتها هو مراحها ، كما لمراح الغنم موضع مقيلها وموضع مبيتها .

                                                                                                                        [ ص: 308 ] 9138 - وفي هذا الحديث دليل على أن ما يخرج من مخرج الحيوان المأكول لحمه ليس بنجس ; لأن مراح الغنم لا تسلم من بعرها ، وحكم الإبل حكمها .

                                                                                                                        9139 - وقد تنازع العلماء في المعنى الذي ورد له هذا الحديث من الفرق بين عطن الإبل ومراح الغنم .

                                                                                                                        9140 - فقال منهم قائلون : كان هذا من أجل أنه كان يستتر بها عند الخلاء ، وهذا خوف النجاسة من غيرها لا منها .

                                                                                                                        9141 - وقال آخرون : النهي عن ذلك من أجل أنها لا تستقر في عطنها ولها إلى الماء نزوع ، فربما قطعت صلاة المصلي ، أو هجمت عليه فآذته وقطعت صلاته .

                                                                                                                        9142 - واعتلوا بقوله - صلى الله عليه وسلم - " لا تصلوا في أعطان الإبل ; فإنها جن خلقت من جن " .

                                                                                                                        9143 - وفي بعض الروايات في حديث عبد الله بن مغفل : فإنها خلقت من الشياطين أو من عنان الشياطين .

                                                                                                                        9144 - وهذه ألفاظ موجودة محفوظة في حديث عبد الله بن مغفل في كتاب عبد الرزاق ، وأبي بكر بن أبي شيبة .

                                                                                                                        9145 - وذكر عبد الرزاق عن ابن جريج ، قال : قلت لعطاء : أتكره أن تصلي في أعطان الإبل ؟ قال : نعم ; من أجل أنه يبول الرجل إلى البعير البارك ، ولولا ذلك لكان عطنها مثل مراحها .

                                                                                                                        9146 - قلت : أتصلي في مراح الغنم ؟ قال : نعم ، قلت : فإذا لم أخش من عطنها إذا ؟ قال : فهو بمنزلة مراحها .

                                                                                                                        [ ص: 309 ] 9147 - قال أبو عمر : لا أعلم في شيء من الآثار المعروفة ولا عن السلف أنهم كرهوا الصلاة في مراح الغنم ، وذلك دليل على طهارة أبعارها وأبوالها . ومعلوم أن الإبل مثلها في إباحة أكل لحومها .

                                                                                                                        9148 - واختلف العلماء فيمن صلى في أعطان الإبل والموضع طاهر سالم من النجاسة .

                                                                                                                        9149 - وقال أهل الظاهر : صلاته فاسدة ; لأنها طابقت النهي ، فهي فاسدة ; لقوله - صلى الله عليه وسلم - " كل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد " أي مردود .

                                                                                                                        9150 - وقال أكثر العلماء : بئس ما صنع إذا علم بالنهي ، وصلاته ماضية إذا سلم من ما يفسدها من نجاسة أو غيرها ; لأن النهي عندهم معناه عنهم .

                                                                                                                        9151 - واستحب بعض أصحابنا الإعادة في الوقت .

                                                                                                                        9152 - ولا أعلم أحدا أجاز الصلاة في أعطان الإبل إلا ما ذكر وكيع عن أبي بكر ، عن جابر ، عن عامر بن جندب بن عامر السلمي ، أنه كان يصلي في أعطان الإبل ومرابض الغنم ، وهذا لم يسمع بالنهي ، والله أعلم .

                                                                                                                        9153 - وذكر عبد الرزاق ، عن ابن جريج ، قال : قلت لعطاء : أأصلي في مراح الشاء ؟ قال : نعم ، قلت : أو تكرهه من أجل بول الكلب بين أظهرها ؟ قال : إن خشيت بول الكلب بين أظهرها فلا تصل فيها .

                                                                                                                        [ ص: 310 ] 9154 - وعن ابن جريج قال : قلت لعطاء : أأصلي في مراح الغنم ؟ قال : نعم ، فقال له إنسان : إن صليت في مراح الغنم أو البقر أسجد على البقر أو أفحص لوجهي ؟ قال : بل افحص لوجهك .




                                                                                                                        الخدمات العلمية