الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                  صفحة جزء
                                                  6904 حدثنا محمد بن المعافى ، قال : حدثنا زكريا بن يحيى الوقار قال : قرئ على عبد الله بن وهب ، وأنا أسمع ، قال حدثـنا الثوري : قال حدثـنا مجالد : قال حدثـنا أبو الوداك : [ ص: 461 ] قال حدثـنا أبو سعيد الخدري : قال حدثـنا عمر بن الخطاب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قال أخي موسى عليه السلام : يا رب أرني الذي كنت أريتني في السفينة ، فأوحى الله إليه : يا موسى ، إنك ستراه ، فلم يلبث إلا يسيرا حتى أتاه الخضر ، وهو طيب الريح ، حسن بياض الثياب ، فقال : السلام عليك يا موسى بن عمران ، إن ربك يقرأ عليك السلام ورحمة الله . قال موسى : هو السلام ، ومنه السلام ، وإليه السلام ، والحمد لله رب العالمين الذي لا أحصي نعمه ، ولا أقدر على شكره إلا بمعونته . ثم قال موسى : أريد أن توصيني بوصية ينفعني الله بها بعدك . فقال الخضر : يا طالب العلم إن القائل أقل ملالة من المستمع ، فلا تمل جلساءك إذا حدثتهم واعلم أن قلبك وعاء ، فانظر ماذا تحشو به وعاءك ، و اعزف عن الدنيا و انبذها وراءك ، فإنها ليست لك بدار ، و لا لك فيها قرار ، و إنها جعلت بلغة للعباد ، و ليتزودوا منها للمعاد ، و يا موسى ، وطن نفسك على الصبر تلق العلم و رض نفسك على الصبر تخلص من الإثم ، يا موسى تفرغ للعلم إن كنت تريده ، فإنما العلم لمن يفرغ له ، ولا تكونن مكثارا للمنطق ، مهذارا ، إن كثرة المنطق شين العلماء ، وتبدي مساوئ السخفاء ، ولكن عليك بذي اقتصاد ، فإن ذلك من التوفيق والسداد ، وأعرض عن الجهال ، و احلم عن [ ص: 462 ] السفهاء ، فإن ذلك فضل الحكماء ، وزين العلماء . إذا شتمك الجاهل فاسكت عنه سلما ، وجانبه حزما ، فإن ما بقي من جهله عليك وشتمه إياك أكثر وأعظم ، يا ابن عمران لا ترى أنك أوتيت من العلم إلا قليلا ، فإن الانزلاق و التعسف من الاقتحام والتكلف ، يا ابن عمران لا تفتحن بابا لا تدري ما غلقه ، ولا تغلقن بابا لا تدري ما فتحه ، يا ابن عمران من لا تنتهي من الدنيا نهمته ، ولا تنقضي منها رغبته كيف يكون عابدا ؟ من يحقر حاله ويتهم الله بما قضى له كيف يكون زاهدا ؟ هل يكف عن الشهوات من قد غلب عليه هواه ، و ينفعه العلم والجهل قد حوله ؟ لأن سفرته على آخرته وهو مقبل على دنياه . تعلم ما تعمل لتعمل به ، ولا تعلمه لتتحدث به ، فيكون عليك بوره ويكون لغيرك نوره ، يا موسى بن عمران اجعل الزهد والتقوى لباسك ، والعلم والذكر كلامك ، واستكثر من الحسنات ، فإنك مصيب السيئات ، وزعزع بالخوف قلبك ، فإن ذلك يرضي ربك ، واعمل خيرا فإنك لابد عامل سواه ، قد وعظت إن حفظت فتولى الخضر و بقي موسى حزينا مكروبا " .

                                                  التالي السابق


                                                  الخدمات العلمية