الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 7956 ) فصل : وإن قال : لعمر الله . فهي يمين موجبة للكفارة . وبه قال أبو حنيفة . وقال الشافعي ، إن قصد اليمين ، فهي يمين ، وإلا فلا . وهو اختيار أبي بكر ; لأنها إنما تكون يمينا بتقدير خبر محذوف ، فكأنه قال : لعمر الله ما أقسم به . فيكون مجازا ، والمجاز لا ينصرف إليه الإطلاق .

                                                                                                                                            ولنا ، أنه أقسم بصفة من صفات ذات الله ، فكان يمينا موجبا للكفارة ، كالحلف ببقاء الله - تعالى ، فإن معنى ذلك الحلف ببقاء الله - تعالى ، وحياته . ويقال : العمر والعمر واحد . وقيل : معناه وحق الله . وقد ثبت له عرف الشرع والاستعمال ، قال الله تعالى : { لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون } .

                                                                                                                                            وقال النابغة :

                                                                                                                                            فلا لعمر الذي قد زرته حججا وما أريق على الأنصاب من جسد

                                                                                                                                            وقال آخر :

                                                                                                                                            إذا رضيت كرام بني قشير     لعمر الله أعجبني رضاها

                                                                                                                                            وقال آخر :

                                                                                                                                            ولكن لعمر الله ما ظل مسلما     كغر الثنايا واضحات الملاغم

                                                                                                                                            وهذا في الشعر ، والكلام كثير .

                                                                                                                                            وأما احتياجه إلى التقدير ، فلا يصح ; فإن اللفظ إذا اشتهر في العرف ، صار من الأسماء العرفية ، يجب حمله عليه عند الإطلاق دون موضوعه الأصلي ، على ما عرف من سائر الأسماء العرفية ، ومتى احتاج اللفظ إلى التقدير ، وجب التقدير له ، ولم يجز اطراحه ، ولهذا يفهم مراد المتكلم به من غير اطلاع على نية قائله وقصده ، كما يفهم أن مراد المتكلم بهذا من المتقدمين القسم ، ويفهم من القسم بغير حرف القسم في أشعارهم القسم في مثل قوله :

                                                                                                                                            فقلت يمين الله أبرح قاعدا

                                                                                                                                            ويفهم من القسم الذي حذف في جوابه حرف " لا " أنه مقدر مراد ، كهذا البيت ، ويفهم من قول الله تعالى : { واسأل القرية } - . { وأشربوا في قلوبهم العجل } . التقدير ، فكذا هاهنا .

                                                                                                                                            وإن قال : عمرك الله كما في قوله :

                                                                                                                                            أيها المنكح الثريا سهيلا     عمرك الله كيف يلتقيان

                                                                                                                                            فقد قيل : هو مثل قوله : نشدتك الله . ولهذا ينصب اسم الله تعالى فيه . وإن قال : لعمري ، أو عمرك . فليس بيمين ; في قول أكثرهم . وقال الحسن ، في قوله : لعمرك : عليه الكفارة . ولنا ، أنه أقسم بحياة مخلوق ، فلم تلزمه كفارة ، كما لو قال : وحياتي . وذلك لأن هذا اللفظ يكون قسما بحياة [ ص: 397 ] الذي أضيف إليه العمر ، فإن التقدير ، لعمرك قسمي ، أو ما أقسم به ، والعمر : الحياة أو البقاء .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية