الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( حجر القاضي عليه ثم رفع إلى ) قاض ( آخر فأطلقه ) وأجاز ما صنع المحجور كذا في الخانية وهو ساقط من الدرر والمنح ( جاز إطلاقه ) وما صنع المحجور في ماله من بيع أو شراء قبل إطلاق الثاني أو بعده كان جائزا لأن حجر الأول مجتهد فيه فيتوقف على إمضاء قاض آخر . [ فروع ]

يصح الحجر على الغائب لكن لا ينحجر ما لم يعلم خانية ، ولا يرتفع الحجر بالرشد بل بإطلاق القاضي ، ولو ادعى الرشد وادعى خصمه بقاءه على السفه وبرهنا ينبغي تقديم بينة بقاء السفه أشباه ، [ ص: 153 ] وفي الوهبانية : ومن يدعي إقراره قبل يحجر فمن يدعيه وقته فهو أجدر ولو باع والقاضي أجاز وقال لا تؤد فما أداه من بعد يخسر .

التالي السابق


( قوله : كذا في الخانية إلخ ) استدراك على المتن تبعا للشرنبلالية ، حيث نقل ما في الخانية ثم قال : فقد شرط مع الإطلاق إجازة صنعه ا هـ .

أقول : الذي يظهر أن الإجازة شرط لجواز صنعه لا لجواز الإطلاق والمذكور في المتن جواز الإطلاق فلا استدراك بل هو إفادة حكم آخر تأمل . ( قوله : لأن حجر الأول مجتهد فيه ) علله في الهداية أولا بأن الحجر منه فتوى وليس بقضاء ، لأنه لم يوجد المقضي له والمقضي عليه ، ثم قال : ولو كان قضاء فنفس القضاء مختلف فيه فلا بد من الإمضاء قال الزيلعي : يعني حتى يلزم ، لأن الاختلاف إذا وقع في نفس القضاء لا يلزم ، ولا يصير مجمعا عليه ، وإنما يصير مجمعا عليه أن لو كان الاختلاف موجودا قبل القضاء فيتأكد أحد القولين بالقضاء ، فلا ينقض بعد ذلك ، وأما إذا كان الاختلاف في نفس القضاء ، فبالقضاء يحصل الاختلاف ، فلا بد من قضاء آخر ليصير مجمعا عليه لقضائه بعد وجود الاختلاف هذا معناه ، ولكن فيه إشكال هنا لأن الاختلاف فيه موجود قبل القضاء فإن محمدا يرى حجره بنفس السفه ، ولا تنفذ تصرفاته أصلا فيصير القضاء به على هذا التقدير قضاء بقول محمد فيتأكد قوله : بالقضاء ، بخلاف القضاء على الغائب فإن الاختلاف فيه في نفس القضاء هل يجوز أم لا ؟ فعندنا لا ينفذ وعند الشافعي يجوز فيحصل الاختلاف بالقضاء فلا يرتفع حتى يحكم بجواز هذا القضاء ا هـ . ( قوله : ما لم يعلم ) أي بالحجر قال في البزازية : فلو أخبره عدل وصدقه انحجر ، وإن لم يصدقه فكذلك ثم قال : ولا فرق بين الإذن والحجر في أنه يصير مأذونا إذا ترجح الصدق في خبره عند العبد أو صدقه ، ذكره الفقيه أبو بكر البلخي ، وعليه الفتوى والاعتماد خلافا لمن يفرق بينهما ا هـ . ثم إن هذا مبني على قول أبي يوسف لما مر أن السفيه ينحجر عند محمد بلا قضاء . ( قوله : ولا يرتفع الحجر بالرشد إلخ ) هذا أيضا قول أبي يوسف ، خلافا لمحمد كما قدمناه عن الجوهرة مع بيان ثمرة الخلاف . ( قوله : ولو ادعى الرشد ) يعني بعدما حجر عليه القاضي ادعى أنه صار رشيدا ليبطل حجره . ( قوله : أشباه ) استدل فيها على ذلك بما في المحيط عند ذكره دليل أبي يوسف على أن السفيه لا ينحجر إلا بحجر القاضي من أن الظاهر زوال السفه ، لأن عقله يمنعه . قال في الأشباه : وكل بينة شهد لها الظاهر لم تقبل ا هـ .

أقول : الظاهر أن ظهور زوال السفه فيما إذا كان قبل الحكم يدل عليه سياق كلام المحيط ، أما بعد الحكم كما هو موضوع المسألة في الأشباه فقد تأكد وثبت فالأصل بقاؤه ، ويدل عليه أن الحجر بعد ثبوته لا يرتفع عند [ ص: 153 ] أبي يوسف إلا بالقضاء ، فلو كان الأصل زواله لما احتاج إليه . ولذا قال المقدسي في حاشية الأشباه : لم يوجد بعد الحجر من القاضي ما يقتضي خلافه فالظاهر بقاؤه ا هـ وهكذا نقل الحموي عن الشيخ صالح فينبغي تقديم بينة الزوال وذكر نحوه العلامة البيري ثم قال : ورأيت في ذخيرة الناظر الجزم به ، ونقله أبو السعود ، وأقره ، وبالجملة لم نر أحدا تابع صاحب الأشباه سوى الشارح والله أعلم . ( قوله : وفي الوهبانية إلخ ) الشطر الثاني من البيت الأول مغير وأصله : فمن يدعي التأخير ليس يؤخر و " يحجر " في محل جر مضاف إلى " قبل " ومعنى البيت الأول : أنه لو قال بعد صلاحه أقررت وأنا محجور بأني استهلكت لك كذا وقال رب المال بل حال صلاحك فالقول للمقر لأنه أضافه إلى حالة معهودة تنافي صحة الإقرار ، فيكون في الحقيقة منكرا لا مقرا وكذا لو قال : أقررت لي به حال فسادك لكنه حق وقال المقر لم يكن ذلك حقا فالقول له ومعنى الثاني لو باع المحجور وأجاز القاضي بيعه لكن نهى المشتري عن دفع الثمن إليه فدفعه وهلك يضمن الثمن للقاضي لأنه لما نهاه صار حق القبض للقاضي ، والمحجور كالأجنبي فلو لم ينهه جاز لأن في إجازته البيع إجازة لدفع الثمن كالوكيل بالبيع وكيل بالقبض ، والله سبحانه وتعالى أعلم .




الخدمات العلمية