الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                      ( وإذا زوج الوليان ) أي المستويان في الدرجة ( اثنين وعلم السابق ) منهما ( فالنكاح له ) وعقد الثاني باطل لحديث سمرة وعقبة مرفوعا { أيما امرأة زوجها وليان فهي للأول } رواه أبو داود ولأن الأول خلا عن مبطل والثاني تزوج زوجة غيره فكان باطلا كما لو علم ( فإن دخل بها الثاني وهو لا يعلم أنها ذات [ ص: 60 ] زوج فرق بينهما ) لبطلان نكاحه ( فإن كان وطئها وهو لا يعلم فهو وطء شبهة يجب لها به مهر المثل وترد للأول ) لأنها زوجته .

                                                                                                                      ( ولا تحل له ) أي للأول ( حتى تنقضي عدتها ) من وطء الثاني للعلم ببراءة رحمها منه .

                                                                                                                      ( ولا ترد الصداق الذي يؤخذ من الداخل بها ) وهو الثاني ( على ) الزوج الأول ( الذي دفعت إليه ) لأنه لا يملك التصرف في بضعها فلا يملك عوضه بخلاف منفعة العين المؤجرة ، فإنها ملك للمستأجر يتصرف فيها فعوضها له ( ولا يحتاج النكاح الثاني إلى فسخ لأنه باطل ولا يجب لها المهر إلا بالوطء دون مجرد الدخول ) أي الخلوة من غير وطء ( و ) دون الفرج كالمفاخذة لأنه نكاح باطل لا حكم له ( وإن وقعا ) أي النكاحان ( معا ) أي في وقت واحد ( بطلا ) أي فهما باطلان من أصلهما ولا يحتاجان إلى فسخ لأنه لا يمكن تصحيحها ولا مرجح لأحدهما على الآخر ( ولا مهر لها على واحد منهما ولا يرثانها ولا ترثهما ) لأن العقد الباطل وجوده كعدمه .

                                                                                                                      ( وإن جهل السابق ) منهما ( مثل جهل السبق ) بأن جهل هل وقعا معا أو مرتبين ( أو علم عين السابق ) من العقدين ( ثم جهل ) أي نسي ( أو علم السبق ) كما لو علم أن أحدهما قبل الزوال والآخر بعده ( وجهل السابق ) منهما ( فسخهما حاكم ) لأن أحدهما صحيح ولا طريق للعلم به ( ولها نصف المهر يقترعان عليه ) فمن خرجت عليه القرعة غرمه لأن عقد أحدهما صحيح وقد انفسخ نكاحه من غير جهة الزوجة قبل الدخول فوجب عليه نصف المهر ( وكذا لو طلقاها ) وجب على أحدهما نصف المهر بقرعة .

                                                                                                                      وإذا عقد عليها أحدهما بعد ذلك فلا ينبغي أن ينقص عدد طلاقه لهذه الطلقة ، لأنا لم تتحقق أن عقده هو الصحيح حتى يقع طلاقه ، ذكر معناه الشيخ تقي الدين .

                                                                                                                      ( وإن أقرت لأحدهما بالسبق ) بأن نكاحه سابق ( لم يقبل ) إقرارها على الآخر ( نصا ) لأن الخصم غيرها ، وهو العاقد الثاني فلم يقبل قولها عليه وإن ادعى عليها العلم بالسابق لم يلزمها يمين لأن من لا يقبل إقراره لا يستحلف في إنكاره ويأتي في القضاء .

                                                                                                                      ( وإن ماتت ) المرأة ( قبل الفسخ والطلاق فلأحدهما نصف ميراثها بقرعة ) أي يقترعان عليه فيأخذه من خرجت له القرعة ( من غير يمين ) قال الشيخ تقي الدين : إنه المذهب قال وكيف يحلف من قال لا أعرف الحال ؟ .

                                                                                                                      ( وإن مات الزوجان ) قبل الفسخ والطلاق ( فإن كانت قرت بسبق أحدهما فلا ميراث لها من الآخر ) لاعترافها ببطلان نكاحه ( وهي تدعي ميراثها ممن أقرت له بالسبق فإن ) كان ( ادعى ذلك ) أي السبق ( أيضا دفع إليها ميراثها منه ) [ ص: 61 ] لاتفاقهما على صحة النكاح .

                                                                                                                      ( وإن لم يكن ادعى ذلك ) أي السبق قبل موته ( وأنكر الورثة ) كونه السابق ( فالقول قولهم مع أيمانهم ) أنهم لا يعلمون أنه السابق لقوله صلى الله عليه وسلم { واليمين على من أنكر } ( فإن نكلوا قضي عليهم ) بالنكول .

                                                                                                                      ( وإن لم تكن أقرت بالسبق فلها ميراثها من أحدهما بقرعة ) فيقرع بين الرجلين فمن خرجت عليه القرعة فلها إرثها منه نقل حنبل عن أحمد في رجل له ثلاث بنات زوج إحداهن من رجل ثم مات الأب ولم يعلم أيتهن زوج يقرع فأيتهن أصابتها القرعة فهي زوجته وإن مات الزوج فهي التي ترثه ( ولو ادعى كل واحد منهما السبق فأقرت به لأحدهما ) فلا أثر له كما سبق ( ثم ) إذا ( فرق بينهما ) بأن فسخ الحاكم نكاحهما أو طلقاها ( وجب المهر ) بعد الدخول وقبله نصفه ( على المقر له ) لاعترافه به لها وتصديقها له عليه .

                                                                                                                      ( وإن مات ورثت المقر له ) لأنه مقتضى إقرارهما ( دون صاحبه ) لأنها تدعي بطلان نكاحه لتأخره ( وإن ماتت ) من أقرت لأحدهما بالسبق وصدقها ( قبلهما احتمل أن يرثها المقر له ) كما ترثه ( واحتمل أن لا يقبل إقرارها له ) كما لو لم تقبله في نفسها ( أطلقها في المغني والشرح وإن لم تقر لأحدهما ) بالسبق ( إلا بعد موته فكما لو أقرت له في حياته ) على ما تقدم .

                                                                                                                      ( وليس لورثة أحدهما الإنكار لاستحقاقها ) لأنه ظلم لها .

                                                                                                                      ( وإن لم تقر لواحد منهما ) بالسبق ( أقرع بينهما وكان لها ميراثها ممن تقع لها القرعة عليه ) قياسا على القرعة في العتق والطلاق وغيرهما .

                                                                                                                      ( وإن كان أحدهما قد أصابها ) أي وطئها ( وكان هو المقر له ) بالسبق فلها المسمى ( أو ) وطئها من ادعى السبق و ( كانت لم تقر لواحد منهما فلها المسمى ) في عقده ( لأنه مقر لها به وهي لا تدعي سواه ) فتأخذه ( وإن كانت مقرة للآخر ) بالسبق ( فهي تدعي مهر المثل ) بوطئه إياها مع كونها غير زوجة له ( وهو مقر لها بالمسمى ) لدعواه الزوجية ( فإن استويا ) أي مهر المثل والمسمى فلا كلام ( أو اصطلحا ) أي الواطئ والموطوءة على قليل أو كثير ( فلا كلام ) لأن الحق لا يعدوهما ( وإن كان مهر المثل ) الذي تدعيه الموطوءة ( أكثر ) من المسمى ( حلف ) الواطئ ( على الزائد وسقط ) لأن الأصل براءته منه ( وإن كان المسمى لها ) في العقد ( أكثر ) من مهر المثل الذي تدعيه ( فهو مقر لها بالزيادة وهي تنكرها فلا تستحقها ) أي لا تستحق المطالبة بها لإلغاء إقراره بإنكاره .

                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                      الخدمات العلمية