الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 8008 ) فصل : إذا حلف لا يهب له ، فأهدى إليه ، أو أعمره حنث ; لأن ذلك من أنواع الهبة ، وإن أعطاه من الصدقة الواجبة ، أو نذر أو كفارة ، لم يحنث ; لأن ذلك حق لله - تعالى عليه ، يجب إخراجه ، فليس هو بهبة منه ، وإن تصدق عليه تطوعا ، فقال القاضي : يحنث . وهو مذهب الشافعي .

                                                                                                                                            وقال أبو الخطاب : لا يحنث . وهو قول أصحاب الرأي ; لأنهما يختلفان اسما وحكما ; بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { هو عليها صدقة ، ولنا هدية } . وكانت الصدقة محرمة عليه ، والهدية حلال له ، وكان يقبل الهدية ولا يقبل الصدقة ، ومع هذا الاختلاف لا يحنث في أحدهما بفعل الآخر . ووجه الأول ، أنه تبرع بعين في الحياة ، فحنث به ، كالهدية ، ولأن الصدقة تسمى هبة ، فلو تصدق بدرهم ، قيل : وهب درهما ، وتبرع بدرهم . واختلاف التسمية لكون الصدقة نوعا من الهبة ، فيختص باسم دونها ، كاختصاص الهدية والعمرى باسمين ، ولم يخرجهما ذلك عن كونهما هبة ، وكذلك اختلاف الأحكام ، فإنه قد يثبت للنوع ما لا يثبت للجنس ، كما يثبت للآدمي من الأحكام ما لا يثبت لمطلق الحيوان . وإن وصى له ، لم يحنث ; لأن الهبة تمليك في الحياة ، والوصية إنما تملك بالقبول بعد الموت .

                                                                                                                                            وإن أعاره ، لم يحنث ; لأن الهبة تمليك الأعيان ، وليس في العارية تمليك عين ، ولأن المستعير لا يملك المنفعة ، وإنما يستبيحها ، ولهذا يملك المعير الرجوع فيها ، ولا يملك المستعير إجارتها ، ولا إعارتها . هذا قول القاضي ، ومذهب الشافعي . وقال أبو الخطاب : يحنث ; لأن العارية هبة المنفعة . والأول أصح .

                                                                                                                                            وإن أضافه ، لم يحنث ; لأنه لم يملكه شيئا ، وإنما أباحه ، ولهذا لا يملك التصرف بغير الأكل . وإن باعه وحاباه ، لم يحنث ; لأنه معاوضة يملك الشفيع أخذ جميع المبيع ، ولو كان هبة أو بعضه هبة ، لم يملك أخذه كله . وقال أبو الخطاب : يحنث ، في أحد الوجهين ; لأنه يترك له بعض المبيع بغير ثمن ، أو وهبه بعض الثمن . وإن وقف عليه ، فقال أبو الخطاب : يحنث ; لأنه تبرع له بعين في الحياة . ويحتمل أن لا يحنث ; لأن الوقف لا يملك ، في رواية .

                                                                                                                                            وإن حلف لا يتصدق عليه ، فوهب له ، لم يحنث ; لأن الصدقة نوع من الهبة ، ولا يحنث الحالف على نوع بفعل نوع آخر ، ولا يثبت للجنس حكم النوع ، ولهذا حرمت الصدقة على النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم تحرم الهبة ولا الهدية . وإن حلف لا يهب له شيئا ، فأسقط عنه دينا ، لم يحنث إلا أن ينوي ; لأن الهبة تمليك عين ، وليس له إلا دين في ذمته .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية