الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                    5 - ( فصل )

                    ومن ذلك { أن ابني عفراء لما تداعيا قتل أبي جهل ، فقال صلى الله عليه وسلم : هل مسحتما سيفيكما ؟ . قالا : لا ، قال فأرياني سيفيكما . فلما نظر فيهما ، قال لأحدهما : هذا قتله وقضى له بسلبه } .

                    وهذا من أحسن الأحكام ، وأحقها بالاتباع ، فالدم في النصل شاهد عجيب . وبالجملة : فالبينة اسم لكل ما يبين الحق ويظهره ومن خصها بالشاهدين ، أو الأربعة ، أو الشاهد لم يوف مسماها حقه .

                    ولم تأت البينة قط في القرآن مرادا بها الشاهدان وإنما أتت مرادا بها الحجة والدليل والبرهان ، مفردة مجموعة وكذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم : { البينة على المدعي } المراد به : أن عليه بيان ما يصحح دعواه ليحكم له ، والشاهدان من البينة ولا ريب أن غيرها من أنواع البينة قد يكون أقوى منها ، لدلالة الحال على صدق المدعي .

                    فإنها أقوى من دلالة إخبار الشاهد ، والبينة والدلالة والحجة والبرهان والآية والتبصرة والعلامة والأمارة : متقاربة في المعنى .

                    وقد روى ابن ماجه وغيره عن جابر بن عبد الله قال : { أردت السفر إلى خيبر ، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت له : إني أريد الخروج إلى خيبر ، فقال : إذا أتيت وكيلي فخذ منه خمسة عشر وسقا ، [ ص: 12 ] فإذا طلب منك آية ، فضع يدك على ترقوته } فهذا اعتماد في الدفع إلى الطالب على مجرد العلامة ، وإقامة لها مقام الشاهد .

                    فالشارع لم يلغ القرائن والأمارات ودلالات الأحوال ، بل من استقرأ الشرع في مصادره وموارده وجده شاهدا لها بالاعتبار ، مرتبا عليها الأحكام وقول أبي الوفاء ابن عقيل : " ليس هذا فراسة " ، فيقال : ولا محذور في تسميته فراسة ، فهي فراسة صادقة .

                    وقد مدح الله سبحانه الفراسة وأهلها في مواضع من كتابه ، فقال تعالى : { إن في ذلك لآيات للمتوسمين } وهم المتفرسون الآخذون بالسيما ، وهي العلامة ، يقال : تفرست فيك كيت وكيت وتوسمته .

                    وقال تعالى : { ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم } وقال تعالى : { يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم } وفي " جامع الترمذي " مرفوعا : { اتقوا فراسة المؤمن ، فإنه ينظر بنور الله ، ثم قرأ { إن في ذلك لآيات للمتوسمين } } .

                    التالي السابق


                    الخدمات العلمية