الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 172 ] 6 - باب ما جاء في جلود الميتة

حديث ابن عباس في تحليل الانتفاع بجلد الميتة إذا دبغت - تخريج حديث ابن عباس - وحديث ميمونة - حديث آخر عند البخاري - قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : إنما ذكاتها دباغها - أحاديث تعضد حديث ابن عباس - أكثر أهل العلم إلى جواز الانتفاع بالجلود إذا دبغت - رأي المخالفين .

أخبرنا أبو زرعة طاهر بن محمد قراءة عليه ، أخبرنا مكي بن منصور ، أخبرنا أبو بكر الحرشي ، أخبرنا محمد بن يعقوب ، أخبرنا الربيع ، أخبرنا الشافعي ، أخبرنا مالك ، عن ابن شهاب ، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن ابن عباس أنه قال : مر النبي - صلى الله عليه وسلم - بشاة ميتة قد كانت أعطيتها مولاة لميمونة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : فهلا انتفعتم بجلدها ؟ قالوا : يا رسول الله ، إنها ميتة . فقال : إنما حرم أكلها .

هذا حديث ثابت صحيح ، أخرجه البخاري ومسلم بن الحجاج في الصحيح ، من حديث صالح بن كيسان ، ويونس بن يزيد ، عن الزهري .

أخبرني عبد الصمد بن الحسين بن عبد الغفار الشيخ الصالح ، أخبرنا أبو القاسم زاهر بن طاهر المستملي ، أخبرنا أبو سعيد الجنزرودي ، أخبرنا أبو عمرو بن حمدان ، أخبرنا أبو يعلى ، أخبرنا إبراهيم بن الحجاج ، [ ص: 173 ] حدثنا أبو عوانة ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : ماتت شاة لسودة بنت زمعة ، فدخل عليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت : يا رسول الله ، ماتت فلانة - تعني الشاة - قال : أفلا أخذتم مسكها ؟ قالت : يا رسول الله ، نأخذ مسك شاة ماتت ؟ فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلى آخر الآية ، وإنكم لا تطعمونه ؛ إن تسلخونه ثم تدبغونه ثم تنتفعون به . فأرسلت إليها فسلخت مسكها فدبغته ، فاتخذت منه قربة حتى تخرقت عندها

أخرج البخاري طرفا منه من حديث عكرمة ، وهو أن سودة قالت : ماتت لنا شاة ، فدبغنا مسكها ، ثم ما زلنا ننبذ فيه حتى صار شنا ولم يخرج البخاري لسودة سوى هذا الحديث الواحد ، وليس لها عند مسلم بن الحجاج شيء .

أخبرنا أبو العلاء الحافظ ، أخبرنا أبو الفضل جعفر بن عبد الواحد بن محمد ، حدثنا محمد بن عبد الله الضبي ، أخبرنا سليمان بن أحمد ، حدثنا أبو خليفة ، حدثنا علي بن المديني ، حدثنا معاذ بن هشام ، حدثني أبي ، عن قتادة ، عن الحسن ، عن جون بن قتادة ، عن سلمة بن المحبق : أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك دعا بماء من عند امرأة ، فقالت : ما عندي ماء إلا ماء في قربة ميتة ! فقال : أليس دبغتيها ؟ قالت : نعم . [ ص: 174 ] فقال : إن ذكاتها دباغها .

وقد روي عن سلمة من وجه آخر نحوه ، غير أنه قال : كان يوم خيبر .

وروي فيه عن عائشة ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أنه أمر أن يستمتع بجلود الميتة إذا دبغت .

وعن أم سلمة مثل ذلك ، وقال فيه : فإن دباغها يحل كما يحل خل الخمر .

وروي فيه عن أنس .

وقد اختلف أهل العلم في هذا الباب ، فذهب أكثر أهل العلم إلى جواز الانتفاع بجلود الميتة بعد الدباغ ، وممن قال ذلك : ابن مسعود ، وسعيد بن المسيب ، وعطاء بن أبي رباح ، والحسن بن أبي الحسن ، والشعبي ، وسالم بن عبد الله ، وإبراهيم النخعي ، وقتادة ، والضحاك ، وسعيد بن جبير ، ويحيى بن سعيد الأنصاري ، ومالك بن أنس ، والليث ، والأوزاعي ، [ ص: 175 ] والثوري ، وأبو حنيفة ، وأصحابه ، وابن المبارك ، والشافعي وأصحابه ، وإسحاق الحنظلي ، وذهبوا في ذلك إلى هذه الآثار .

وخالفهم في ذلك بعض العلماء ، ونفر من أهل الحديث ، ومنعوا جواز الانتفاع بشيء من الميتة قبل الدباغ وبعده ، واحتجوا في ذلك بحديث عبد الله بن عكيم ، ورأوه ناسخا لهذه الأحاديث .

التالي السابق


الخدمات العلمية