الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
16 - " أما " المفتوحة الهمزة المشددة الميم

كلمة فيها معنى الشرط ، بدليل لزوم الفاء في جوابها . وقدرها سيبويه بمهما ، وفائدتها في الكلام أنها تكسبه فضل تأكيد ، تقول : زيد ذاهب فإذا قصدت أنه لا محالة ذاهب ، قلت : أما زيد فذاهب . ولهذا قال سيبويه : مهما يكن من شيء فزيد ذاهب .

وفي إيرادها في قوله تعالى : فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم ( البقرة : 26 ) إحماد عظيم للمؤمنين ، ونعي على الكافرين لرميهم بالكلمة الحمقاء .

والاسم الواقع بعدها إن كان مرفوعا فهو مبتدأ ، كقوله تعالى : أما السفينة فكانت لمساكين ( الكهف : 79 ) وأما الغلام ( الكهف : 80 ) وأما الجدار ( الكهف : 82 ) . وإن كان منصوبا فالناصب له ما بعد الفاء على الأصح ، كقوله تعالى : فأما اليتيم فلا تقهر وأما السائل فلا تنهر ( الضحى : 9 - 10 ) . وقرئ : وأما ثمود فهديناهم ( فصلت : 17 ) بالرفع والنصب ، فالرفع بالابتداء لاشتغال الفعل عنهم بضميرهم .

وتذكر لتفصيل ما أجمله المخاطب ، وللاقتصار على بعض ما ادعى . فالأول كقوله تعالى : فأما الذين شقوا ففي النار ( هود : 106 ) وأما الذين سعدوا ففي الجنة ( هود : 108 ) ، فهذا تفصيل لما جمع في قوله : ذلك يوم مجموع له الناس [ ص: 215 ] ( هود : 103 ) وبيان أحكام الشقي والسعيد . والثاني : كما لو قيل : زيد عالم شجاع كريم ، فيقال : أما زيد فعالم أي لا يثبت له بما ادعى سوى العلم .

واختلف في تعدد الأقسام بها ، فقيل : إنه لازم وحمل قوله تعالى : والراسخون في العلم ( آل عمران : 7 ) على معنى " وأما الراسخون " ليحصل بذلك التعدد بعدها ، وقطعه عن قوله : وما يعلم تأويله إلا الله ( آل عمران : 7 ) . ومنهم من قال : إنه غير لازم ، بل قد يذكر فيها قسم واحد . ولا ينافي ذلك أن تكون للتفصيل لما في نفس المتكلم كقوله تعالى : فأما الذين في قلوبهم زيغ ( آل عمران : 7 ) . حكى القولين ابن جمعة الموصلي في شرح الدرة وصحح الأول .

والأقرب الثاني ، والتقدير في الآية : وأما غيرهم فيؤمنون به ويكلون معناه إلى ربهم ، ودل عليه والراسخون الآية .

قال بعضهم : وهذا المعنى هو المشار إليه في آية البقرة فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم وأما الذين كفروا ( الآية : 26 ) إلى قوله : وما يضل به إلا الفاسقين ( الآية : 26 ) .

وهذا حكاه ابن قتيبة عن بعض المتقدمين ، قال : فالفاسقون هاهنا هم الذين في قلوبهم زيغ ، وهم الضالون بالتمثيل ، ثم خالفه فقال : وأنت إذا جعلت المتبعين المتشابه بالتأويل المنافقين في اليهود المحرفين له دون المؤمنين ، كما قال الله تعالى : في قلوبهم زيغ ( آل عمران : 7 ) أي غير الإسلام ، وضح لك الأمر وصح ما قلناه من معرفة الراسخين بالمتشابه ، وعلى هذا فالوقف على : والراسخون في العلم ( آل عمران : 7 ) .

[ ص: 216 ] وأما قوله تعالى : وأما إن كان من أصحاب اليمين فسلام لك ( الواقعة : 90 - 91 ) فقيل : الفاء جواب " أما " ، ويكون الشرط لا جواب له ، وقد سد جواب " أما " مسد جواب الشرط .

وقيل بل جواب الشرط ، والشرط وجوابه سد مسد جواب " أما " . وتجيء أيضا مركبة من " أم " المنقطعة ، و " ما " الاستفهامية ، وأدغمت الميم في الميم ، كقوله تعالى : أم ماذا كنتم تعملون ( النمل : 84 ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية