الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وحكمه الإثم لمن علم أنه مال الغير ورد العين قائمة والغرم هالكة [ ص: 180 ] ولغير من علم الأخيران ) فلا إثم ; لأنه خطأ وهو مرفوع بالحديث ( المغصوب منه مخير بين تضمين الغاصب وغاصب الغاصب إلا إذا كان في الوقف المغصوب بأن غصبه وقيمته أكثر وكان الثاني أملأ من الأول فإن الضمان على الثاني ) كذا في وقف الخانية [ ص: 181 ] وفي غصبها غصب عجلا فاستهلكه ويبس لبن أمه ضمن قيمة العجل ونقصان الأم وفي كراهيتها من هدم حائط غيره ضمن نقصانه ولم يؤمر بعمارته إلا في حائط المسجد .

وفي القنية : تصرف في ملك غيره ثم ادعى أنه كان بإذنه فالقول للمالك إلا إذا تصرف في مال امرأته [ ص: 182 ] فماتت وادعى أنه كان بإذنها وأنكر الوارث فالقول للزوج

التالي السابق


( قوله ولغير من علم الأخيران ) أي وحكمه لغير من علم أنه مال الغير الرد أو الغرم فقط دون الإثم ( قوله بالحديث ) وهو قوله عليه الصلاة والسلام { رفع عن أمتي الخطأ والنسيان } معناه رفع مأثم الخطأ أتقاني ( قوله المغصوب منه مخير إلخ ) وكذا له تضمين كل بعضا كما سيأتي متنا ويستثني أيضا ما في جامع الفصولينهشم إبريق فضة لأحد ثم هشمه الآخر برئ الأول من الضمان وضمن الثاني مثلها ، وكذا لو صب ماء على بر ثم صب عليه الآخر ماء وزاد في نقصانه برئ الأول وضمن الثاني قيمته يوم صب الثاني إذ لا يمكن للمالك رد البر والإبريق إلى الحالة التي فعل الأول ليضمنه المثل أو القيمة ا هـ تأمل . هذا وكالغصب منه ما إذا رهنه الغاصب أو آجره أو أعاره فهلك كما في شرح الطحاوي . وقال في حاوي القدسي : الغاصب إذا أودع المغصوب عند إنسان فهلك فلصاحبه أن يضمن أيهما شاء فإن ضمن المودع رجع به على الغاصب وإن ضمن الغاصب لم يرجع بشيء ، وإن غصب من الغاصب فهلك في يد الثاني إن ضمن الثاني لم يرجع على الأول ، وإن ضمن الأول رجع على الثاني بيري وسيأتي قبيل الفصل مسائل أخر ( قوله المغصوب ) نعت للوقف ( قوله بأن غصبه ) أي الغاصب الثاني ( قوله وقيمته أكثر ) جملة حالية قيد لقوله غصبه ( قوله كذا في وقف الخانية ) أي في آخر إجارة الأوقاف منها . ونصها : رجل غصب أرضا موقوفة قيمتها ألف ثم غصب من الغاصب رجل آخر بعد ما ازدادت قيمة الأرض وصارت تساوي ألفي درهم ، فإن المتولي يتبع الغاصب الثاني إن كان مليا على قول من يرى جعل العقار مضمونة بالغصب ، ; لأن تضمين الثاني أنفع للفقير ، وإن كان الأول أملأ من الثاني يتبع الأول ، ; لأن تضمين الأول يكون أنفع للوقف وإذا اتبع القيم أحدهما برئ الآخر عن الضمان كالمالك إذا اختار تضمين الغاصب الأول أو الثاني برئ الآخر ا هـ وهكذا نقلها البيري ، ونقلها أيضا في شرح تنوير الأذهان . لكن قال وإن كان الأول أملأ من الثاني يتبع القيم أحدهما وباتباع أحدهما يبرأ الآخر عن الضمان إلخ قال أبو السعود في حاشية الأشباه : فالنقل عن الخانية قد اختلف ، وعبارة المصنف يستفاد من مفهومها موافقة ما ذكره البيري ا هـ .

أقول : الذي وجدته في الخانية هو ما قدمته بحروفه والمستفاد من كلام المصنف هو الثاني . وقد يقال : لا مخالفة ولا اختلاف في النقل فإن قول الخانية وإن كان الأول أملأ يتبع الأول ليس على سبيل اللزوم ، بل له أن يتبع الثاني بدليل ما بعده فمن قال يتبع أحدهما أتى بحاصل كلام الخانية ، ويقر به أنه عبر بقوله أملأ فيفيد أن الثاني مليء أيضا ; لأن أملأ أفعل تفضيل ، فلذا كان القيم بالخيار ، وهذا هو المفهوم من قول المصنف مخير إلا إذا كان إلخ فإن مفهومه أنه إذا لم يكن الثاني أملأ أي بأن كان الأول أملأ يبقى على خياره فقول ح في كلام المصنف اختصار محل [ ص: 181 ] مدفوع فافهم ( قوله وفي غصبها ) أي غصب الخانية ونقله في النهاية عنها وعن الذخيرة قائلا إن هذا الفرع مخالف للأصل الذي ذكروه حيث أوجب نقصان الأم ، وإن لم يفعل الغاصب في الأم فعلا يزيل يد المالك ا هـ وقدمنا الكلام عليه أول الكتاب ( قوله من هدم حائط غيره ضمن نقصانه ) في شرح النقاية للعلامة قاسم إن شاء ضمنه قيمة الحائط والنقض للضامن ، وإن شاء أخذ النقض وضمنه النقصان ، وليس له أن يجبره على البناء كما كان ; لأن الحائط ليس من ذوات الأمثال وطريق تضمين النقصان أن تقوم الدار مع حيطانها وتقوم بدون هذه الحائط فيضمن فضل ما بينهما ا هـ ، ومنه يظهر ما في كلام المصنف حموي . وقيل : إن كان الحائط جديدا أمر بإعادته وإلا لا .

وفي البزازية : هدم جدار غيره من التراب وأعاده مثل ما كان برئ ، وإن كان من الخشب فأعاده كما كان فكذلك ، وإن بناه من خشب آخر لا يبرأ ; لأنه متفاوت ، حتى لو علم أن الثاني أجود يبرأ ا هـ وفيها لو فيه تصاوير مصبوغة يضمن قيمة الجدار والصبغ لا التصاوير ، ; لأنها حرام ا هـ يعني إذا كانت لذي روح وإلا فيضمن قيمتها أيضا أبو السعود وهذا في غير الوقف بيري ، وأما الوقف فيأتي قريبا ( قوله إلا في حائط المسجد ) لم يذكره قاضي خان على سبيل الاستثناء كما ذكره المصنف ، ولم يظهر لي الفرق بين حائط المسجد وحائط غيره ، والعلة بأنه ليس من ذوات الأمثال جارية في حائط المسجد حموي وفي شرح البيري ، أما الوقف فقد قال في الذخيرة : وإذا غصب الدار الموقوتة فهدم بناء الدار وقطع الأشجار للقيم أن يضمنه قيمة الأشجار والنخيل والبناء إذا لم يقدر الغاصب على ردها ويضمن قيمة البناء مبنيا وقيمة النخيل نابتا في الأرض ، ; لأن الغصب ورد هكذا ا هـ .



مطلب فيما لو هدم حائط أقول : ومقتضاه أنه إذا أمكنه رد البناء كما كان وجب ولم يفصل فيه بين المسجد وغيره من الوقف ولهذا قال البيري فيما سبق وهذا في غير الوقف . وفي إجارات فتاوى قارئ الهداية فيمن استأجر دارا وقفا فهدمها وجعلها طاحونا أو فرنا أجاب بأنه ينظر القاضي ، إن كان ما غيرها إليه أنفع وأكثر ريعا أخذ منه الأجرة وأبقى ما عمره للوقف وهو متبرع ، وإلا ألزم بهدمه وإعادته إلى الصفة الأولى بعد تعزيره بما يليق بحاله ا هـ . فظهر أن لا فرق بين المسجد وغيره من الوقف ، بخلاف الملك ويحتاج إلى وجه الفرق كما مر ، ولعله قولهم يفتي بما هو أنفع للوقف ، ولا شك أن تعميره كما كان أنفع من الضمان تأمل . ثم رأيت في حاشية الرملي على الفصولين عن الحاوي : ولو ألقى نجاسة في بئر خاصة يضمن النقصان دون النزح وفي بئر العامة يؤمر بنزحها كما مر في هدم حائط المسجد ; لأن للهادم نصيبا في العامة ويتعذر تمييز نصيب غيره عن نصيبه في إيجاب الضمان بخلاف الخاصة ا هـ ( قوله وفي القنية إلخ ) [ ص: 182 ] ونصها : رجل كان يتصرف في غلات امرأته ويدفع ذهبها بالمرابحة ثم ماتت فادعى ورثتها أنك كنت تتصرف في مالها بغير إذنها فعليك الضمان فقال الزوج : بل بإذنها فالقول قول الزوج ، ; لأن الظاهر شاهد له أي والظاهر يكفي للدفع حموي .

قلت : وسيأتي في شتى الوصايا فيما لو عمر دار زوجته أنه لو اختلفا في الإذن وعدمه فالقول لمنكره تأمل .




الخدمات العلمية