الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        ومن هذه المسائل ما يأتي:

        1- صحة الرجوع في المشاع الذي يحتمل القسمة، كالدار ونحوها; ولو كان بمنزلة الهبة ابتداء لما صح في مشاع يحتمل القسمة; لأن هبة الجزء الشائع من المال المقابل للقسمة غير جائز، وحيث صح عرف أنه فسخ، وأن العقد يبقى في النصف الآخر.

        2- عدم توقف صحة الرجوع في الهبة على القبض، ولو كان الرجوع هبة مبتدأة توقفت صحته على القبض.

        3- لو وهب الإنسان شيئا، ووهبه الموهوب له لآخر، ثم رجع الثاني في هبته، كان للأول أن يرجع، ولو كان هبة مبتدأة لم يكن له الرجوع; لأن الهبة دخلت في ملك الواهب الثاني بسبب جديد، فلم يبق ملك الواهب الأول حتى يرجع فيه.

        ثمرة الخلاف; تترتب على القول بأن الرجوع في الهبة بالتراضي يعتبر فسخا ما يلي:

        1- أن الموهوب يعود إلى قديم ملك الواهب فيما يستقبل لا فيما مضى.

        2- أن الموهوب بعد الرجوع يكون أمانة في يد الموهوب له. [ ص: 192 ]

        3- لو وهب المال الزكوي، ثم رجع خلال الحول بحكم الحاكم لم ينقطع حكم الحول، وكان عليه زكاته.

        وأما على القول بأن الرجوع في الهبة بالتراضي يعتبر هبة مبتدأة، فإنه لا يترتب عليه شيء من هذه الأمور; لأن الرجوع في حكم عقد جديد.

        فرع: حكم القضاء في الرجوع في الهبة:

        للفقهاء في ذلك قولان:

        القول الأول: أن الرجوع في الهبة لا يحتاج إلى قضاء القاضي، ولا رضا الموهوب له.

        وبه قال جمهور أهل العلم: المالكية، والشافعية، والحنابلة.

        القول الثاني: أن الرجوع في الهبة لا يكون إلا بحكم القاضي، أو رضا الموهوب له.

        وبه قال الحنفية، وهو قول للثوري.

        الأدلة:

        أدلة القول الأول:

        1- عموم أدلة الرجوع وهي عامة، سواء أكان ذلك بحكم القاضي، أو رضا الموهوب له، أو لم يكن. [ ص: 193 ]

        2- أن حق الرجوع للواهب ثبت بالنص، فلا حاجة إلى حكم الحاكم.

        3- أن حق الرجوع في الهبة كحق الخيار في فسخ أي عقد، فلا يفتقر استعمال هذا الحق إلى قضاء، أو رضا الموهوب له كالفسخ بخيار الشرط.

        أدلة القول الثاني:

        ا - أن الواهب إن كان يطالب بحقه فالموهوب له يمنع ذلك، وحق المنع ثابت له بحكم ملكه، فلا بد من اعتبار قضاء القاضي بينهما، كالأخذ بالشفعة، والتفريق بين العنين وزوجته.

        2- أن ملك الموهوب له ثابت بالعين، فلا يخرج عن ملكه إلا بالرضا أو بالقضاء .

        3- أن الرجوع في الهبة مختلف فيه بين فقهاء المذاهب، وقبلهم بين فقهاء الصحابة والتابعين، وفي أصله ضعف; لأنه ثابت بخلاف القياس، وفي عدم حصول مقصوده ووجوده خفاء; لأنه يحتمل أن يكون غرضه العوض الدنيوي فيثبت له حق الرجوع، ويحتمل أن يكون غرضه الثواب في الآخرة أو إظهار الجود والسماحة، فلا يكون له الرجوع على هذا التقدير، فلا بد من الفصل بالقضاء أو الرضا.

        الترجيح:

        الراجح -والله أعلم- أن الرجوع إذا توفر شرطه، وانتفى مانعه أنه [ ص: 194 ] لا يحتاج في ذلك إلى حكم القاضي، أو رضا الموهوب له; إذ هو حق من حقوق الواهب.

        التالي السابق


        الخدمات العلمية