الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( و ) بخلاف [ ص: 206 ] ( منافع الغصب استوفاها أو عطلها ) فإنها لا تضمن عندنا ويوجد في بعض المتون ومنافع الغصب غير مضمونة إلى آخره لكن لا يلائمه ما يأتي من عطف خمر المسلم إلى آخره مع أنه أخصر فتدبر ( إلا ) في ثلاث فيجب أجر المثل على اختيار المتأخرين ( أن يكون ) المغصوب ( وقفا ) للسكنى أو للاستغلال ( أو مال يتيم ) إلا في مسألة سكنت أمه مع زوجها في داره بلا أجر ليس لهما ذلك ولا أجر عليهما كذا في الأشباه معزيا لوصايا القنية .

قلت : ويستثنى أيضا سكنى شريك اليتيم فقد نقل المصنف وغيره عن القنية أنه لا شيء عليه وكذا الأجنبي بلا عقد وقيل : دار اليتيم كالوقف انتهى . قلت : ويمكن حمل كلا الفرعين على قول المتقدمين بعد أجرته ، [ ص: 207 ] وأما على القول المعتمد أنها كالوقف ، فتجب الأجرة على الشريك والزوج لكون سكنى المرأة واجبة عليه ، وهو غاصب لدار اليتيم فتلزمه الأجرة وبه أفتى ابن نجيم في الصيرفية من التفصيل لو اليتيم يقدر على المنع فلا أجر وإلا فعليها غير ظاهر ، وعليه فهو عليه لا عليها كما أفاده في تنوير البصائر . ثم نقل عن الخانية أن مسألة الدار كمسألة الأرض وأن الحاضر إذا سكن فيما إذا كان لا يضرها فللغائب أن يسكن قدر شريكه قالوا وعليه الفتوى ( أو معدا ) أي أعداه صاحبه ( للاستغلال ) بأن بناه لذلك أو اشتراه لذلك قيل أو آجره ثلاث سنين على الولاء وفي الأشباه : [ ص: 208 ] لا تصير الدار معدة له بإجارتها بل ببنائها أو شرائها له ولا بإعداد البائع بالنسبة للمشتري ، ويشترط علم المستعمل بكونه معدا حتى يجب الأجر وأن لا يكون المستعمل مشهورا بالغصب . قلت : ولو اختلفا في العلم وعدمه فالقول له بيمينه ; لأنه منكر والآخر مدع قاله شيخنا وبموت رب الدار وبيعه يبطل الإعداد ولو بنى لنفسه ، ثم أراد أن يعده فإن قال بلسانه ويخبر الناس صار ذكره المصنف ( إلا ) في المعد للاستغلال فلا ضمان فيه ( إذا سكن بتأويل ملك ) كبيت سكنه أحد الشركاء في الملك ، ولو ليتيم على ما مر عن القنية فتنبه ، أما في الوقف إذا سكنه أحدهما بالغلبة بلا إذن لزم الأجر ( أو عقد ) كبيت الرهن إذا سكنه المرتهن ثم بان للغير معدا للإجارة [ ص: 209 ] فلا شيء عليه بقي لو آجر الغاصب أحدها فعلى المستأجر المسمى لا أجر المثل ولا يلزم الغاصب الأجر بل يرد ما قبضه للمالك أشباه وقنية وفي الشرنبلالية وينظر ما لو عطل المنفعة هل يضمن الأجرة كما لو سكن

التالي السابق


مطلب في ضمان منافع الغصب ( قوله منافع الغصب ) أي المغصوب ( قوله استوفاها أو عطلها ) صورة الأول أن يستعمل العبد شهرا مثلا ثم يرده على سيده والثاني أن يمسكه ولا يستعمله ثم يرده كما في الدرر ( قوله عندنا ) أي خلافا للشافعي رحمه الله ( قوله لكن لا يلائمه إلخ ) أقول بل يلائمه بعطفه عليه بالرفع فيفيد أنه غير مضمون ط أي بتقدير حذف الخبر والأصل وخمر المسلم غير مضمون بدليل ما قبله كقولك هند غير قائمة وعمرو على أن عدم الملاءمة فيما ذكره أشد ، ; لأنه معطوف على قوله بخلاف الحرة ومخالطة الحرة للأمة في الحكم ظاهر وبينهما مناسبة ، بخلاف منافع الغصب إذ لا مناسبة بينهما إلا بتكلف تأمل ( قوله مع أنه ) أي ما شرح عليه ( قوله أن يكون وقفا ) وكما تضمن منافعه تضمن ذاته كما قدمه عن العيني وغيره عند الكلام على غصب العقار وفي الولوالجية ومتى قضى عليه بالقيمة تؤخذ منه فيشتري بها ضيعة أخرى تكون على سبيل الوقف الأول ا هـ ( قوله للسكنى أو للاستغلال ) أقول : أو لغيرها كالمسجد فقد أفتى العلامة المقدسي في مسجد تعدى عليه رجل ، وجعله بيت قهوة بلزوم أجرة مثله مدة شغله كما في الخيرية والحامدية ( قوله أو مال يتيم ) أقول : وكذا اليتيم نفسه لما في البزازية يتيم لا أب له و لا أم استعمله أقرباؤه مدة في أعمال شتى بلا إذن الحاكم وبلا إجارة له طلب أجر المثل بعد البلوغ إن كان ما يعطونه من الكسوة والكفاية لا يساوي أجر المثل ا هـ وبه أفتى في الخيرية والحامدية .

وفي إجارات القنية : غصب صبيا حرا وأجره وعمل فالأجر للعاقد ، ثم رمز الأجر للصبي ، ثم رمز وهو الصواب ; لأنه ذكر في المنتقى أجر عبده سنة ، ثم أقام العبد بينة أن مولاه أعتقه قبل الإجارة فله الأجر إلخ ( قوله سكنت أمه ) أي أم اليتيم ( قوله في داره ) أي اليتيم ( قوله بلا أجر ) أي بلا التزام أجر بعقد إجارة من وليه تأمل ( قوله ليس لهما ذلك ) أي يحرم عليهما ( قوله قلت ويستثنى أيضا ) قائله الشيخ شرف الدين ( قوله سكنى شريك اليتيم ) أي بأن كانت بينه وبين بالغ فسكنها البالغ مدة ( قوله وكذا الأجنبي بلا عقد ) أي وكذا إذا سكنها أجنبي عنه غير أمه وغير شريكه ( قوله وقيل دار اليتيم كالوقف ) أي في ضمان منافعهما وهو قول المتأخرين . وهو المعتمد كما يأتي في كلام الشارح ( قوله قلت ويمكن حمل الفرعين ) أي فرع أم اليتيم ، وفرع سكنى شريكه . وصرح بذلك الحموي ، وبحمل الأول صرح صاحب المنح ( قوله بعدم أجرته ) أي بعدم [ ص: 207 ] لزومها ( قوله وأما على القول المعتمد إلخ ) أي وحينئذ فلا استثناء ولذا قال العلامة البيري : والعجب من المؤلف كيف عدل عما عليه الفتوى بلا موجب فاحذره ( قوله فتلزمه الأجرة ) ; لأن الأجرة تجب على الغاصب دون من يتبعه ونقل البيري عن المحيط إن لم يكن لها زوج لها السكنى بحكم الحاجة ، وإن كان فلا كما إذا كان لها مال ( قوله وما في الصيرفية إلخ ) عبارتها سكنت مع زوجها ببيت ابنها الصغير قال إن كان بحال لا يقدر على المنع بأن كان ابن سبع سنين أو ست ، فعليها أجر المثل ; لأنها غير محتاجة ، حيث كان لها زوج ، وإن كان بحال يقدر على المنع فلا أجر عليها ا هـ .

وفيها مخالفة لما في البيري عن المحيط حيث فرض المسألة فيما إذا سكنت بغير أمر الزوج وقدر مدة قدرة الابن على المنع ، بأن كان ابن عشر فأكثر ، فإن ظاهره أنها سكنت وحدها ، وأنه لو كان ابن ثمان أو تسع يلزمها الأجر تأمل ( قوله وإلا فعليها ) في بعض النسخ بضمير التثنية وهو غير موافق لعبارة الصيرفية المارة ( قوله غير ظاهر ) خبر المبتدأ ووجهه أنه وإن قدر على المنع فلا عبرة بتبرعه وهو صبي ( قوله وعليه ) أي على القول المعتمد من أنها كالوقف كذا في تنوير البصائر ، لا على ما في الصيرفية كما قيل فافهم ( قوله فهو عليه ) أي فالأجر واجب على الزوج لا عليها .

أقول : وعلى ما قدمناه من ظاهر عبارة المحيط فهو عليها لا عليه ( قوله ثم نقل عن الخانية إلخ ) نقل أولا عن العمادية عن محمد إن علم الحاضر أن الزرع ينفعها لها زرع كلها ، فإذا حضر الغائب له أن ينتفع بكل الأرض مثل تلك المدة لثبوت رضا الغائب بمثل ذلك دلالة ، وإن علم أنه ينقصها ليس للحاضر ذلك ، فإن الرضا غير ثابت . ثم نقل عن القنية أن الحاضر لا يلزمه في الملك المشترك أجر وليس للغائب استعماله بقدر تلك المدة ; لأن المهايأة بعد الخصومة قال : وبينهما تدافع ، إلا أن يفرق بين الأرض والدار ، وهو بعيد أو أنهما روايتان ، ثم نقل عن الخانية أن مسألة الدار كمسألة الأرض ، وأن للغائب أن يسكن مثل ما سكن شريكه وأن المشايخ استحسنوا ذلك وهكذا روي عن محمد وعليه الفتوى ا هـ ملخصا . ونقل البيري عبارة الخانية أيضا مفصلة وأقرها وكذلك المحشي أبو السعود ( قوله قالوا وعليه الفتوى ) لفظة قالوا يؤتى بها غالبا للتضعيف ، ولم أرها في هذه المسألة في كلام غيره ، ولعله زادها إشعارا باختيار خلافه ، وهو ما ذكره آخر كتاب الشركة عن المنظومة المحبية ، وبه أفتى ابن نجيم ، وهو الذي عليه العمل اليوم هذا وكان ينبغي للشارح أن يذكر هذه المسألة بعد قوله إلا إذا سكن بتأويل ملك كما فعل البيري وغيره ( قوله قيل أو آجره إلخ ) نقل المصنف في المنح أنه يصير معدا بذلك ، ثم نقل أنها بسنة أو سنتين أو أكثر لا تصير معدة .

أقول : وفي أوائل إجارات القنية عن الأصل استأجر أرضا فزرعها سنين ، فعليه أجر السنة الأولى ونقصان الأرض فيما بعدها ، ويتصدق بالفضل عند أبي حنيفة ومحمد قال القاضي الصدر : هذا إذا لم تكن الأرض معروفة بالإجارة ، بأن كانت لا تؤجر كل سنة فلو عرفت بها يجب أجر السنين المستقبلة ، بلا خلاف ، فعرف بهذا أن عند أبي حنيفة ومحمد لا تصير الأرض معدة للإجارة بالإجارة سنة أو سنتين ونحوه في المحيط ا هـ . [ ص: 208 ]

أقول : وظاهره اعتماد أنها تصير معدة بأكثر من الثلاث ففي إطلاق الأشباه الآتي نظر فتدبر ( قوله لا تصير الدار إلخ ) قيد بها ; لأن الأرض تصير معدة للزراعة ، بأن كانت في قرية اعتاد أهلها زراعة أرض الغير ، وكان صاحبها ممن لا يزرع بنفسه فلصاحبها مطالبة الزارع بالمتعارف كما في البيري عن الذخيرة وقدمنا الكلام عليه مستوفى ( قوله بالنسبة للمشتري ) أي ما لم يشترها المشتري لذلك ( قوله وأن لا يكون المستعمل مشهورا بالغصب ) كذا قيده في الذخيرة حيث قال : قالوا في المعدة للاستغلال يجب الأجر إذا سكن على وجه الإجارة عرف ذلك منه بطريق الدلالة وذكر في مزارعتها أن السكنى فيها تحمل على الإجارة إلا إذا سكن بتأويل ملك ا هـ تأمل .

أقول : وذكر الشارح قبيل فسخ الإجارة ما نصه : وفي الأشباه ادعى نازل الخان ، وداخل الحمام وساكن المعد للاستغلال الغصب لم يصدق والأجر واجب .

قلت : فكذا مال اليتيم على المفتى به فتنبه ا هـ فتأمل . أقول : وهذا كله إذا لم يطالبه بالأجر وإلا فيجب ولو لم يكن معدا للاستغلال لما في إجارات القنية قالوا جميعا المغصوب منه إذا أشهد على الغاصب أنه إن رددت إلى داري وإلا أخذت منك كل شهر ألف درهم فالإشهاد صحيح ، فلو أقام فيها الغاصب بعده يلزمه الأجر المسمى ا هـ ( قوله قاله شيخنا ) أي في حاشية المنح ولم يعزه لأحد .

أقول : وينبغي تقييده بما إذا لم يكن إعداده ظاهرا مشهورا كالخان والحمام وبه يحصل التوفيق بين هذا وبين ما قدمناه آنفا أنه لو ادعى الغصب لم يصدق تأمل ( قوله صار ) في بعض النسخ جاز .

[ تنبيه ] قدمنا في كتاب الإجارات أن المعد للاستغلال غير خاص بالعقار فقد أفتى في الحامدية بلزوم الأجر على مستعمل دابة المكاري بلا إذن ولا إجارة ونقل عن مناهي الأنقروي عن حاشية القنية عن ركن الأئمة استعمل ثور إنسان أو عجلته يجب عليه أجر المثل ، إذا كان أعده للإجارة بأن قال بلسانه أعددته لها ا هـ فليحفظ فهو محل اشتباه ( قوله إلا في المعد للاستغلال إلخ ) أفاد أن الاستثناء من قوله أو معدا فقط ، وأن الوقف ومال اليتيم يجب فيه الأجر على كل حال والداعي إلى هذا التقييد ، مع أنه خلاف المتبادر من عبارة المتن ما قدمه من القول المعتمد ولذا قدم الشارح عند الكلام في غصب العقار أنه لو شرى دارا وسكنها فظهرت وقفا أو للصغير لزمه الأجر صيانة لهما وقدمناه أنه المختار مع أنه سكنها بتأويل ملك أو عقد فاحفظه فقد يخفى على كثير ( قوله كبيت ) وكذا الحانوت كما في العمادية ( قوله فتنبه ) أي ولا تغفل عن كونه مبنيا على قول المتقدمين ح ( قوله إذا سكنه أحدهما ) أي أحد الموقوف عليهما ، أو أحد الشريكين بأن كان البعض ملكا له والبعض وقفا على الآخر ( قوله بالغلبة ) قيد به لما قدمه أول كتاب الوقف أنه لو سكن بعضهم ولم يجد الآخر موضعا يكفيه ، فليس له أجرة ولا له أن يقول أنا أستعمله بقدر ما استعملته ; لأن المهايأة إنما تكون بعد الخصومة إلخ ( قوله ثم بان للغير ) [ ص: 209 ] أي ظهر أن البيت لغير الراهن حال كونه معدا للإجارة ح ( قوله فلا شيء عليه ) ; لأنه لم يسكنها ملتزما للأجر كما لو رهنها المالك فسكنها المرتهن قنية .

أقول : بل الأجر على الراهن ; لأنه غاصب فتأمله بيري ( قوله بقي لو آجر الغاصب أحدها ) أي أحد ما منافعه مضمونة من مال وقف أو يتيم أو معد للاستغلال أشباه ( قوله فعلى المستأجر المسمى ) أي للغاصب ; لأنه العاقد ( قوله ولا يلزم الغاصب الأجر ) أي أجر المثل كما هو في عبارة الأشباه ( قوله بل يرد ما قبضه للمالك ) حاصله : أنه لا يلزمه إلا الذي آجر به وإن كان دون أجر المثل حموي ( قوله وقنية ) عبارتها ولو غصب دارا معدة للاستغلال أو موقوفة أو ليتيم وآجرها وسكنها المستأجر يلزمه المسمى لا أجر المثل قيل له وهل يلزم الغاصب الأجر لمن له الدار ؟ فكتب لا ولكن يرد ما قبض على المالك وهو الأولى . ثم سئل : يلزم المسمى للمالك أم للعاقد ؟ فقال : للعاقد ، ولا يطيب له بل يرده على المالك وعن أبي يوسف يتصدق به ا هـ .

قال العلامة البيري : الصواب أن هذا مفرع على قول المتقدمين ، وأما على ما عليه المتأخرون فعلى الغاصب أجر المثل ا هـ أي إن كان ما قبضه من المستأجر أجر المثل أو دونه فلو أكثر يرد الزائد أيضا لعدم طيبه له كما حرره الحموي وأقره أبو السعود ( قوله وفي الشرنبلالية إلخ ) عبارتها إلا إذا سكن بتأويل ملك أو عقد ، وينظر ما لو عطل إلخ . أقول إن كان الضمير في عطل للساكن ، فلا معنى له ; لأنه مستوف لا معطل ، وإن كان لمن له تأويل ملك فلا وجه للتوقف ; لأنه إذا سكن واستوفى المنفعة لا يلزمه أجر فكيف يلزمه إذا عطلها ، وإن كان للغاصب أي لو عطل غاصب منفعة أحد هذه الثلاثة ولم يستوفها فهو معلوم من عبارة المصنف وصاحب الدرر ; لأن استثناء هذه الثلاثة من قوله سابقا استوفاها أو عطلها يفيد أنها مضمونة بالاستيفاء أو التعطيل تأمل .

وسئل في الحامدية عن حانوت وقف عطله زيد مدة فأفتى بلزوم أجر المثل مستدلا بعبارة المصنف ، وأما عود الضمير للمستأجر من الغاصب فلا مساغ له فإنه لم يتعرض في الشرنبلالية للمستأجر فافهم




الخدمات العلمية