الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب وفود الأنصار إلى النبي صلى الله عليه وسلم بمكة وبيعة العقبة

                                                                                                                                                                                                        3676 حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب ح حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عنبسة حدثنا يونس عن ابن شهاب قال أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك أن عبد الله بن كعب وكان قائد كعب حين عمي قال سمعت كعب بن مالك يحدث حين تخلف عن النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك بطوله قال ابن بكير في حديثه ولقد شهدت مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة حين تواثقنا على الإسلام وما أحب أن لي بها مشهد بدر وإن كانت بدر أذكر في الناس منها [ ص: 260 ]

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        [ ص: 260 ] قوله : ( باب وفود الأنصار إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بمكة وبيعة العقبة ) ذكر ابن إسحاق وغيره أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان بعد موت أبي طالب قد خرج إلى ثقيف بالطائف يدعوهم إلى نصره ، فلما امتنعوا منه كما تقدم في بدء الخلق شرحه رجع إلى مكة فكان يعرض نفسه على قبائل العرب في مواسم الحج ، وذكر بأسانيد متفرقة أنه أتى كندة وبني كعب وبني حذيفة وبني عامر بن صعصعة وغيرهم فلم يجبه أحد منهم إلى ما سأل ، وقال موسى بن عقبة عن الزهري : " فكان في تلك السنين - أي التي قبل الهجرة - يعرض نفسه على القبائل ، ويكلم كل شريف قوم ، لا يسألهم إلا أن يؤوه ويمنعوه ، ويقول : لا أكره أحدا منكم على شيء ، بل أريد أن تمنعوا من يؤذيني حتى أبلغ رسالة ربي ، فلا يقبله أحد بل يقولون : قوم الرجل أعلم به " وأخرج البيهقي وأصله عند أحمد وصححه ابن حبان من حديث ربيعة بن عباد بكسر المهملة وتخفيف الموحدة قال : " رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسوق ذي المجاز يتبع الناس في منازلهم يدعوهم إلى الله عز وجل " الحديث . وروى أحمد وأصحاب السنن وصححه الحاكم من حديث جابر كان رسول الله يعرض نفسه على الناس بالموسم فيقول : هل من رجل يحملني إلى قومه ؟ فإن قريشا منعوني أن أبلغ كلام ربي . فأتاه رجل من همدان فأجابه ، ثم خشي أن لا يتبعه قومه فجاء إليه فقال : آتي قومي فأخبرهم ثم آتيك من العام المقبل . [ ص: 261 ] قال : نعم . فانطلق الرجل وجاء وفد الأنصار في رجب وقد أخرج الحاكم وأبو نعيم والبيهقي في " الدلائل " بإسناد حسن عن ابن عباس " حدثني علي بن أبي طالب قال : لما أمر الله نبيه أن يعرض نفسه على قبائل العرب خرج وأنا معه وأبو بكر إلى منى ، حتى دفعنا إلى مجلس من مجالس العرب ، وتقدم أبو بكر وكان نسابة فقال : من القوم ؟ فقالوا : من ربيعة . فقال : من أي ربيعة أنتم ؟ قالوا : من ذهل - ذكروا حديثا طويلا في مراجعتهم وتوقفهم أخيرا عن الإجابة - قال : ثم دفعنا إلى مجلس الأوس والخزرج ، وهم الذين سماهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأنصار لكونهم أجابوه إلى إيوائه ونصره ، قال : فما نهضوا حتى بايعوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " انتهى .

                                                                                                                                                                                                        وذكر ابن إسحاق أن أهل العقبة الأولى كانوا ستة نفر وهم : أبو أمامة أسعد بن زرارة النجاري ، ورافع بن مالك بن العجلان العجلاني ، وقطبة بن عامر بن حديدة ، وجابر بن عبد الله بن رئاب ، وعقبة بن عامر - وهؤلاء الثلاثة من بني سلمة - وعوف بن الحارث بن رفاعة من بني مالك بن النجار . وقال موسى بن عقبة عن الزهري وأبو الأسود عن عروة : هم أسعد بن زرارة ، ورافع بن مالك ، ومعاذ ابن عفراء ، ويزيد بن ثعلبة ، وأبو الهيثم بن التيهان ، وعويم بن ساعدة ، ويقال : كان فيهم عبادة بن الصامت وذكوان . قال ابن إسحاق : " حدثني عاصم بن عمر بن قتادة عن أشياخ من قومه قال : لما رآهم النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : من أنتم ؟ قالوا من الخزرج . قال : أفلا تجلسون أكلمكم ؟ قالوا : نعم . فدعاهم إلى الله ، وعرض عليهم الإسلام ، وتلا عليهم القرآن وكان مما صنع الله لهم أن اليهود كانوا معهم في بلادهم ، وكانوا أهل كتاب ، وكان الأوس والخزرج أكثر منهم ، فكانوا إذا كان بينهم شيء قالوا : إن نبيا سيبعث الآن قد أظل زمانه نتبعه ، فنقتلكم معه ، فلما كلمهم النبي - صلى الله عليه وسلم - عرفوا النعت ، فقال بعضهم لبعض : لا تسبقنا إليه يهود ، فآمنوا وصدقوا ، وانصرفوا إلى بلادهم ليدعوا قومهم ، فلما أخبروهم لم يبق دور من قومهم إلا وفيها ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى إذا كان الموسم وافاه منهم اثنا عشر رجلا " .

                                                                                                                                                                                                        ثم ذكر المصنف في الباب ثلاثة أحاديث : أحدها حديث كعب بن مالك في قصة توبته ، ذكر منه طرفا وسيأتي مطولا في مكانه والغرض منه قوله : " ولقد شهدت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ليلة العقبة " . وعنبسة هو ابن خالد بن يزيد الأيلي يروي عن عمه يونس بن يزيد ، وقوله : " قال ابن بكير في حديثه " يريد أن اللفظ المساق لعقيل لا ليونس ، وقوله : " تواثقنا " بالمثلثة والقاف أي وقع بيننا الميثاق على ما تبايعنا عليه ، وقوله : " وما أحب أن لي بها مشهد بدر " ؛ لأن من شهد بدرا وإن كان فاضلا بسبب أنها أول غزوة نصر فيها الإسلام ، لكن بيعة العقبة كانت سببا في فشو الإسلام ، ومنها نشأ مشهد بدر ، وقوله : " أذكر منها " هو أفعل تفضيل بمعنى المذكور ، أي أكثر ذكرا بالفضل وشهرة بين الناس .

                                                                                                                                                                                                        قلت : وكان كعب من أهل العقبة الثانية ، وقد عقد ثالثة كما أشرت إليه قبل ، ولعل المصنف لمح بما أخرجه ابن إسحاق وصححه ابن حبان من طريقه بطوله ، قال ابن إسحاق : " حدثني معبد بن كعب بن مالك أن أخاه عبد الله - وكان من أعلم الأنصار - حدثه أن أباه كعبا حدثه ، وكان ممن شهد العقبة وبايع بها قال : خرجنا حجاجا مع مشركي قومنا وقد صلينا وفقهنا ، ومعنا البراء بن معرور سيدنا وكبيرنا - فذكر شأن صلاته إلى الكعبة قال - : فلما وصلنا إلى مكة ولم نكن رأينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل ذلك ، سألنا عنه فقيل : هو مع العباس في المسجد ، فدخلنا فجلسنا إليه ، فسأله البراء عن القبلة ، ثم خرجنا إلى الحج ، وواعدناه العقبة ومعنا عبد الله بن عمرو والد جابر ولم يكن أسلم قبل ، فعرفناه أمر الإسلام فأسلم حينئذ وصار من النقباء ، قال : فاجتمعنا عند العقبة ثلاثة وسبعين رجلا ، ومعنا امرأتان أم عمارة بنت كعب إحدى نساء بني مازن ، وأسماء بنت عمرو بن عدي إحدى نساء بني [ ص: 262 ] سلمة ، قال : فجاء ومعه العباس فتكلم فقال : إن محمدا منا من حيث علمتم ، وقد منعناه وهو في عز ، فإن كنتم تريدون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه ومانعوه ممن خالفه فأنتم وذاك ، وإلا فمن الآن . قال : فقلنا : تكلم يا رسول الله ، فخذ لنفسك ما أحببت . فتكلم ، فدعا إلى الله وقرأ القرآن ورغب في الإسلام ثم قال : أبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم قال فأخذ البراء بن معرور بيده فقال : نعم " فذكر الحديث وفيه " فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أسالم من سالمتم ، وأحارب من حاربتم . ثم قال : أخرجوا إلي منكم اثني عشر نقيبا وذكر ابن إسحاق النقباء وهم أسعد بن زرارة ، ورافع بن مالك ، والبراء بن معرور ، وعبادة بن الصامت ، وعبد الله بن عمرو بن حرام ، وسعد بن الربيع ، وعبد الله بن رواحة ، وسعد بن عبادة ، والمنذر بن عمرو بن حبيش ، وأسيد بن حضير ، وسعد بن خيثمة ، وأبو الهيثم بن التيهان ، وقيل بدله : رفاعة بن عبد المنذر " .

                                                                                                                                                                                                        وفي " المستدرك " عن ابن عباس " كان البراء بن معرور أول من بايع النبي - صلى الله عليه وسلم - ليلة العقبة . قال ابن إسحاق : " حدثني عبد الله بن أبي بكر بن حزم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال للنقباء : أنتم كفلاء على قومكم ككفالة الحواريين لعيسى ابن مريم . قالوا : نعم وذكر أيضا أن قريشا بلغهم أمر البيعة فأنكروا عليهم ، فحلف المشركون منهم وكانوا أكثر منهم - قيل : كانوا خمسمائة نفس - أن ذلك لم يقع ، وذلك لأنهم ما علموا بشيء مما جرى . الحديث الثاني حديث جابر .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية