الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        3679 حدثني إسحاق بن منصور أخبرنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا ابن أخي ابن شهاب عن عمه قال أخبرني أبو إدريس عائذ الله أن عبادة بن الصامت من الذين شهدوا بدرا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن أصحابه ليلة العقبة أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وحوله عصابة من أصحابه تعالوا بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا أولادكم ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم ولا تعصوني في معروف فمن وفى منكم فأجره على الله ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب به في الدنيا فهو له كفارة ومن أصاب من ذلك شيئا فستره الله فأمره إلى الله إن شاء عاقبه وإن شاء عفا عنه قال فبايعته على ذلك

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        الحديث الثالث حديث عبادة بن الصامت في قصة البيعة ليلة العقبة ، وقد تقدم شرحه مستوفى في أوائل كتاب الإيمان مع مباحث نفيسة تتعلق بقوله في الحديث : " فعوقب به فهو كفارة له " وأوضحت هناك أن بيعة العقبة إنما كانت على الإيواء والنصر ، وأما ما ذكره من الكفارة فتلك بيعة أخرى وقعت بعد فتح مكة ، ثم رأيت ابن إسحاق جزم بأن بيعة العقبة وقعت بما صدر في الرواية الثانية التي في هذا الباب فقال : " حدثني يزيد بن أبي حبيب " فذكر بسند الباب " عن عبادة قال : كنت فيمن حضر العقبة الأولى ، فكنا اثني عشر رجلا ، فبايعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على بيعة النساء " أي على وفق بيعة النساء التي نزلت بعد ذلك عند فتح مكة ، وهذا محتمل ، لكن ليست الزيادة في طريق الليث بن سعد عن يزيد في الصحيحين ، وعلى تقدير ثبوتها فليس فيه ما ينافي ما قررته من أن قوله " فهو كفارة " إنما ورد بعد ذلك ؛ لأنه يعارضه حديث أبي هريرة " ما أدري الحدود كفارة لأهلها أم لا " مع تأخر إسلام أبي هريرة عن ليلة العقبة ، كما استوفيت مباحثه هناك . وممن ذكر صورة بيعة العقبة كعب بن مالك كما أسلفته آنفا عنه ، وروى البيهقي من طريق عبد الله بن عثمان بن خثيم عن إسماعيل بن عبد الله بن رفاعة عن أبيه قال : " قال عبادة بن الصامت : بايعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على السمع والطاعة في النشاط والكسل " فذكر الحديث وفيه " وعلى أن ننصر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قدم علينا يثرب بما نمنع به أنفسنا وأزواجنا وأبناءنا ولنا الجنة . فهذه بيعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التي بايعناه عليها " .

                                                                                                                                                                                                        وعند أحمد بإسناد حسن وصححه الحاكم وابن حبان عن جابر مثله وأوله مكث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عشر سنين يتبع الناس في منازلهم في المواسم بمنى وغيرها يقول : من يؤويني ، من ينصرني حتى أبلغ رسالة ربي وله الجنة ؟ حتى بعثنا الله له من يثرب فصدقناه فذكر الحديث حتى قال : فرحل إليه منا سبعون رجلا ، فوعدناه بيعة العقبة ، فقلنا : علام نبايعك ؟ فقال : على السمع والطاعة في النشاط والكسل ، وعلى النفقة في العسر واليسر ، وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وعلى أن تنصروني إذا قدمت عليكم يثرب ، فتمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم ، ولكم الجنة الحديث . ولأحمد من وجه آخر عن جابر قال : كان العباس آخذا بيد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فلما فرغنا قال رسول الله : أخذت وأعطيت وللبزار من وجه آخر عن جابر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للنقباء من الأنصار : تؤوني ، وتمنعوني ؟ قالوا : نعم . قالوا : فما لنا ؟ قال : الجنة وروى البيهقي بإسناد قوي عن الشعبي ، ووصله الطبراني من حديث أبي موسى الأنصاري قال : انطلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - معه العباس عمه إلى السبعين من الأنصار عند العقبة فقال له أبو أمامة - يعني أسعد بن زرارة - : سل يا محمد لربك ولنفسك ما شئت ، ثم أخبرنا ما لنا من الثواب . قال : أسألكم لربي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا ، وأسألكم لنفسي [ ص: 264 ] ولأصحابي أن تؤوونا وتنصرونا وتمنعونا مما تمنعون منه أنفسكم ، قالوا : فما لنا ؟ قال : الجنة . قالوا : ذلك لك وأخرجه أحمد من الوجهين جميعا .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية