الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
      معلومات الكتاب

      معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول

      الحكمي - حافظ بن أحمد الحكمي

      صفحة جزء
      ( يستوجب ) يستحق ( الحمد على اقتضاها ) الضمير للحكمة ، فله الحمد على مقتضى حكمته في جميع خلقه وأمره ، فجميع ما يفعله ويأمر به هو موجب ربوبيته ، ومقتضى أسمائه وصفاته ، وله الحمد على جميع أفعاله ، وله الحمد على خلقه وأمره ، وهو المحمود على طاعة العباد ومعاصيهم ، وإيمانهم وكفرهم ، وهو المحمود على خلقه الأبرار والفجار ، وعلى خلقه الملائكة والشياطين ، وعلى خلقه الرسل وأعداءهم ، وهو المحمود على عدله وحكمته في أعدائه ، كما هو المحمود على فضله ورحمته على أوليائه ، وكل ذرة من ذرات الكون شاهدة بحكمته وحمده ، كما قال تعالى : ( تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده ) ، ( الإسراء : 44 ) ، وقال : ( يسبح لله ما في السماوات وما في الأرض له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ) ، ( التغابن : 1 ) ، وقال تعالى : ( وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة سبحان الله وتعالى عما يشركون ) ، ( القصص : 68 ) ، ( وربك يعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون وهو الله لا إله إلا هو له الحمد في الأولى والآخرة وله الحكم وإليه ترجعون ) ، ( القصص : 69 - 70 ) ، وعلمنا النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذكر الاعتدال من الركوع : ربنا لك الحمد ملء السماوات [ ص: 229 ] والأرض ، وملء ما بينهما ، وملء ما شئت من شيء بعد . وفي الذكر عقب الصلوات : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير .

      وفي التلبية : لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك . وفي الدعاء المأثور : اللهم لك الحمد كله ، ولك الملك كله ، وبيدك الخير كله ، وإليك يرجع الأمر كله ، أسألك الخير كله ، وأعوذ بك من الشر كله . وفي دعاء الافتتاح من صلاة الليل : اللهم لك الحمد أنت رب السماوات والأرض ومن فيهن ، ولك الحمد أنت قيوم السماوات والأرض ومن فيهن ، ولك الحمد أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن ، ولك الحمد أنت الحق ، ووعدك الحق ، ولقاؤك حق ، والساعة حق ، والجنة حق ، والنار حق ، والنبيون حق ، ومحمد - صلى الله عليه وسلم - حق . الحديث .

      والآيات والأحاديث في هذا الباب كثيرة ، والمقصود أن الرب - عز وجل - لا يكون إلا محمودا ، كما لا يكون إلا ربا وإلها ، فله الحمد كله ، وله الملك كله ، لا شريك له في حمده ، كما لا شريك له في ملكه ، وإن كان بعض خلقه محمودا كالرسل والعلماء ، فمرجع ذلك الحمد إليه ، كما أن مصدره وموجبه منه تعالى ، وهو الذي جعلهم كذلك ، وهذا كما أنه الملك لا شريك له في ملكه ، ويرزق بعض عباده إذا شاء ملكا ، وهو مالكه وملكه ، وكما أنه العليم ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء ، فيعلم بعض عباده من علمه ما شاء .

      وقال في ذكر عبده يعقوب - عليه السلام : ( وإنه لذو علم لما علمناه ) ، ( يوسف : 68 ) ، وكذلك ما من [ ص: 230 ] محمود في السماوات ولا في الأرض إلا وذلك الحمد راجع إلى الله - عز وجل - في الحقيقة ، فحمد كل محمود داخل في حمده ، كما أن كل ملك داخل في ملكه ، وكل شيء فمنه وله وإليه ، فله الحمد رب السماوات والأرض رب العالمين ، وله الكبرياء في السماوات والأرض ، وهو العزيز الحكيم .

      التالي السابق


      الخدمات العلمية