الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                  وظائف القابض وهي أربع :

                                                                  الأولى : أن يفهم أن الله عز وجل أوجب صرفه إليه ليكفي همه ويكون عونا له على الطاعة ، فإن استعان به على المعصية كان كافرا لأنعم الله عز وجل مستحقا للبعد والمقت من الله سبحانه .

                                                                  الثانية : أن يشكر المعطي ويدعو له ويثني عليه ، ويكون شكره دعاؤه بحيث لا يخرج عن كونه واسطة ولكنه طريق وصول نعمة الله سبحانه إليه ، وللطريق حق من حيث جعله الله طريقا وواسطة ، وذلك لا ينافي رؤية النعمة من الله سبحانه فقد قال صلى الله عليه وسلم : " من لم يشكر الناس لم يشكر الله " وقد أثنى الله عز وجل على عباده في مواضع على أعمالهم وهو خالقها نحو قوله [ ص: 56 ] تعالى : ( نعم العبد إنه أواب ) [ ص : 30 ، 44 ] إلى غير ذلك ، وقال صلى الله عليه وسلم : " من أسدى إليكم معروفا فكافئوه فإن لم تستطيعوا فادعوا له حتى تعلموا أن قد كافأتموه " ومن تمام الشكر أن يستر عيوب العطاء إن كان فيه عيب ولا يحقره ولا يذمه ولا يعيره بالمنع إذا منع ، ويفخم عنده نفسه وعند الناس صنيعه ، فوظيفة المعطي الاستصغار ووظيفة القابض تقلد المنة والاستعظام ، وعلى كل عبد القيام بحقه ، وكل ذلك لا يناقض رؤية النعمة من الله عز وجل ، فإن من لا يرى الواسطة واسطة فقد جهل ، وإنما المنكر أن يرى الواسطة أصلا .

                                                                  الثالثة : أن ينظر فيما يأخذه فإن لم يكن من حله تورع عنه ، فلا يأخذ ممن أكثر كسبه من الحرام إلا إذا ضاق الأمر عليه ، وكان ما يسلم له لا يعرف له مالكا معينا فله أن يأخذ بقدر الحاجة ، فإن فتوى الشرع في مثل هذا أن يتصدق به وذلك إذا عجز عن الحلال .

                                                                  الرابعة : أن يتوقى مواقع الريبة والاشتباه في مقدار ما يأخذه فلا يأخذ إلا المقدار المباح ، ولا يأخذ إلا إذا تحقق أنه موصوف بصفة الاستحقاق ، ثم إذا تحققت حاجته فلا يأخذن مالا كثيرا بل ما يتمم كفايته من وقت أخذه إلى سنة ، فهذا أقصى ما يرخص فيه من حيث إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ادخر لعياله قوت سنة . ومن العلماء من ذهب إلى أن للفقير أن يأخذ مقدار ما يشتري به ضيعة فيستغني به طول عمره أو يهيئ بضاعة ليتجر بها ويستغني لأن هذا هو الغنى ، وقد قال " عمر " - رضي الله عنه - : إذا أعطيتم فأغنوا . حتى ذهب قوم إلى أن من افتقر فله أن يأخذ بقدر ما يعود به إلى مثل حاله ولو عشرة آلاف درهم . ولما تبرع " أبو طلحة " - رضي الله عنه - ببستانه ، قال له صلى الله عليه وسلم : " اجعله في قرابتك فهو خير لك " فأعطاه " حسان " و " أبا قتادة " فحائط من نخل لرجلين كثير مغن .

                                                                  التالي السابق


                                                                  الخدمات العلمية