الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وبقي ولده مسلما : [ ص: 214 ] كأن ترك وأخذ منه ما جنى [ ص: 215 ] عمدا على عبد : أو ذمي لا حر مسلم ، كأن [ ص: 216 ] هرب لدار الحرب إلا حد الفرية ، والخطأ على بيت المال : [ ص: 217 ] كأخذه جناية عليه ،

التالي السابق


( و ) إذا قتل المرتد وله ولد صغير ( بقي ولده ) حال كونه ( مسلما ) أي محكوما [ ص: 214 ] بإسلامه ولا يتبع أباه في الدين الذي ارتد إليه لعدم إقراره عليه ، ويجبر على الإسلام إن تدين بغيره . وشبه في الحكم بالإسلام فقال ( كأن ) بفتح الهمز وسكون النون حرف مصدري دخلت عليه كاف التشبيه صلته ( ترك ) بضم فكسر ولد المرتد وغفل عن جبره على الإسلام حتى بلغ وأظهر خلافه ، فإنه يجبر عليه ، وأولى إذا بلغ ولم يظهر منه خلافه وسواء ولد قبل ارتداد أبيه أو بعده على المذهب ، فإن أظهر الكفر بعد بلوغه جرى عليه حكم المرتد ، وقال ابن القاسم من ولد حال ردة أبيه إن أدرك قبل بلوغه جبر على الإسلام ، وإن لم يدرك حتى بلغ ترك على كفره لولادته عليه .

ابن عرفة سمع عبد الملك وابن القاسم صغير ولد المرتد إن كان ولد قبل ردته جبر على الإسلام وضيق عليه ، ولا يبلغ به الموت . وإن كان ولده بعد ردته جبروا على الإسلام وردوا إليه ، وإن لم يدركوا حتى بلغوا تركوا وأقروا على دينهم لأنهم ولدوا عليه وليس ارتداد أبيهم ارتدادا لهم ، وقال ابن كنانة يستتاب ، فإن تاب وإلا قتل ، وإن غفل عنه حتى شاخ وتزوج فلا يستتاب ولا يقتل . ابن رشد قول ابن كنانة فيمن ولده بعد ردته أنهم يستتابون ، فإن تابوا وإلا قتلوا ما لم يشيخوا على الكفر ويتزوجوا عليه خلاف قول ابن القاسم .

قلت هذا فيمن أبوه مرتد ، وأما من ارتد صغيرا مميزا وأبوه مسلم ففي الجنائز منها من ارتد قبل بلوغه فلا تؤكل ذبيحته ولا يصلى عليه . الشيخ عن محمد بن القاسم في ابن المسلم ولد على الفطرة ثم ارتد وقد عقل الإسلام ولم يحتلم جبر على الإسلام بالضرب والعذاب ، فإن احتلم على ذلك ولم يرجع قتل بخلاف من يسلم ثم يرتد ثم يحتلم على ذلك ، وفرق بينهما وليس بمنزلة ولد المرتد ، وجعلهم أشهب سواء ، وقال من ولد على الفطرة ثم ارتد بعد أن عقل وقارب الحلم ثم احتلم على ذلك أنه يرد إلى الإسلام بالسوط والسجن . ابن عبد الحكم ابن القاسم يقتل .

( وأخذ ) بضم فكسر ( منه ) أي مال المرتد أرش ( ما جنى ) قبل ردته أو بعدها [ ص: 215 ] عمدا على عبد ) لغيره ( أو ) على ( ذمي ) لأنه لا يقتل بأحدهما لزيادته على العبد بالحرية وعلى الذمي بالإسلام الحكمي فتعين المال لترتبه عليه فلا يسقط عنه بردته ، هذا مذهب ابن القاسم في الموازية ( لا ) يؤخذ من مال المرتد شيء إن جنى عمدا على ( حر مسلم ) لأن الواجب فيه القصاص والقتل بالردة يأتي عليه ، فإن رجع للإسلام وسقط قتله بالردة اقتص منه . ابن عرفة سمع عيسى ابن القاسم في المرتد يقتل في ارتداده نصرانيا أو بجرحه ، فإن أسلم فلا يقتل به ولا يستفاد منه في جرح لأنه ليس على دين يقر عليه وحاله في ارتداده في القتل والجرح إن أسلم كحال المسلم ، فإن جرح مسلما اقتص منه ، وإن قتل نصرانيا فلا يقتل به . وإن جرحه فلا يستفاد منه . عيسى وإن قتل على ردته فقتله يأتي على ذلك كله .

ابن رشد اختلف قول ابن القاسم فيه فمرة نظر إلى حاله يوم الحكم في القود والدية ، ومرة نظر إلى حاله فيهما يوم جنايته ، ومرة فرق بين الدية والقود فنظر في القود إلى يوم الفعل ، وفي الدية إلى يوم الحكم ، فعلى اعتبار يوم الحكم فيهما قال إن قتل مسلما قتل به ، وإن جرحه اقتص منه ، وإن قتل نصرانيا أو جرحه فلا يقاد في قتل ولا يقتص منه في جرح ودية ذلك من ماله وإن كان قتله خطأ فديته على عاقلته لأنه مسلم يوم الحكم له عاقلة تعقل عنه وهو قوله في هذه الرواية ، وعلى قوله بالنظر لحاله يوم الفعل فيهما يقاد منه إن قتل نصرانيا لأنه كافر يوم الفعل ، وإن جرحه عمدا اقتص منه ، وإن جرح عبدا مسلما جرى على الخلاف في النصراني يجرح عبدا مسلما ، وإن قتل مسلما أو نصرانيا خطأ فديته على المسلمين لأنهم ورثته يوم الجناية ولا عاقلة له يومئذ ، وهو قول ابن القاسم في رسم الصلاة من سماع يحيى ، وعلى هذا القياس يجري حكم جناياته على القول الثالث الذي فرق فيه بين القود والدية .

وشبه في أخذ الأرش من ماله إن جنى عمدا على عبد أو ذمي وعدمه إن جنى عمدا على حر مسلم فقال ( كأن ) بفتح الهمز وسكون النون حرف مصدري مقرون بكاف [ ص: 216 ] التشبيه صلته جنى المرتد عمدا على عبد أو ذمي أو حر مسلم ثم ( هرب ) المرتد ( لبلاد الحرب ) واستمر بها وبقي ماله في بيت مالنا فيؤخذ منه أرش جنايته على العبد أو الذمي ، ولا يؤخذ منه شيء في جنايته على حر مسلم ، فالتشبيه تام ، هذا مذهب ابن القاسم . وقال أشهب لولاة المسلم أخذ ديته من مال المرتد إن شاءوا أو عفوا عن القصاص ، وإن شاءوا صبروا حتى يقتلوه . ابن الحاجب لو قتل أي المرتد حرا مسلما وهرب إلى دار الحرب فقال ابن القاسم لا شيء للأولياء في ماله . وقال أشهب لهم إن عفوا الدية .

قال في التوضيح خلافهما مبني على أن الواجب في العمد هل هو القود فقط أو التخيير ، لكن قد يعترض على أشهب بأن الخيار إنما هو حيث لا مانع والقاتل هنا لو حضر لكان محبوسا بحكم ارتداده فليس للأولياء معه كلام . ا هـ . فيؤخذ منه أن المسألة مفروضة عند عدم القدرة عليه ، وهو محل الخلاف . أما عند أسره فلا أفاده البناني زاد طفي ولا فائدة حينئذ لإفرادها بالذكر .

واستثنى من السقوط المفهوم من قوله لا حر مسلم فقال ( إلا حد الفرية ) بكسر الفاء وسكون الراء فتحتية ، أي القذف لحر مسلم فلا يسقط عن المرتد بقتله لردته فيحد للقذف ثم يقتل للردة . ابن الحاجب وأما جنايته على حر مسلم عمدا فإن لم يتب فلا يقام غير الفرية ويقتل . ابن عرفة في نكاحها الثالث ونحوه في القذف إن قتل على ردته فالقتل يأتي على كل حد أو قصاص وجب عليه للناس إلا القذف فيحد له ثم يقتل ، وجرى لنا في التدريس مناقضة قولها في الكتابين لقولها في كتاب القذف إذا قذف حربي في بلاد الحرب مسلما ثم أسلم الحربي أو أسر فلا يحد للقذف ، ألا ترى أن القتل موضوع عنه .

قلت فإسقاطه حد القذف لسقوط القتل دليل على دخول حد القذف في القتل والمنصوص له خلافه .

( و ) الجرح أو القتل ( الخطأ ) من المرتد على حر مسلم أو ذمي إذا قتل لردته أو مات قبل توبته أرشه ( على بيت المال ) لأنه الذي يأخذ ماله ، وأرش جنايته خطأ على عبد في [ ص: 217 ] ماله لا على بيت المال فيخرج من إطلاق المصنف قاله طفي . وشبه في التعلق ببيت المال فقال ( كأخذه ) أي بيت المال أرش ( جناية عليه ) أي المرتد في نفسه أو طرفه إذا مات على ردته . الشيخ عن أصبغ ليس على من قتل مرتدا من مسلم أو ذمي عمدا قصاص الشبهة ، ولا يبطل دمه والعمد فيه كالخطأ وديته للمسلمين ، ولو جرحه مسلم أو ذمي قبل ردته فلا قود فيه وعقله للمسلمين




الخدمات العلمية